واختلف العلماءُ فى حل ذبيحة اليهودي والنصراني إذا ذكر عليها اسم عزير والمسيح، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لا تحل، وهو قول ربيعة؛ وذهب أَكثر أهل العلم إلى أَنها تحل، وهو قول الشعبي وعطاء، قالا: فإِن الله قد أَحل ذبائحهم وهو أَعلم بما يقولون؛ وقال الحسن: إِذا ذبح اليهودى والنصراني فذكر اسم غير الله تعالى، أَنت تسمع فلا تأكل، فإذا غاب عنك فكل، فقد أحل الله تعالى لك. اهـ.
وإلى هذا الرأْي نذهب. فلا نرى أكل ما علمنا أن اسم غير الله ذكِر عليه عند ذبحه، ولو كان الذابح كتابيًّا، هذه المحرمات الأربع المحصورة فى هذه الآية. هي نفسها المحصورة فى آية البقرة وفى آية الأنعام. وأما ما زاد على هذه الأربع فى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ ... } الآية (?) فإِنه مندرج فيها فالمنخنقة، والموقوذة، والمتردية. والنطيحة، وما أكل السبع - داخلة في الميتة، وما ذبح على النصب داخل فيما أُهل لغير الله به.
وبهذا تبين أنه تعالى حصر المحرمات -في الأَصناف الأربعة- فى هذه السور الأربع: فى العهد النبوي الكريم مكيَّة ومدنية؛ فإِن سورتي الأنعام والنحل مكيتان، وسورتي البقرة والمائدة مدنيتان. والمائدة من آخر ما نزل. وفي إعادة البيان قطع للأعذار، وإزالة للشُّبه.
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}:
أي فمن دعته الضرورة الملحة إلى تناول شيءٍ من هذه المحرمات، غير ظالم لمضطر آخر، ولا متجاوز قدر الضرورة وسد الرمق (?)، فإِن الله واسع الغفران، شامل الرحمة، فلهذا يرفع عنه الإِثم لاضطراره ويرحمه ولا يعاقبه - وقد صرحت آية البقرة برفع الإثم فى مثل هذه الحالة وذلك فى قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (?).
هذا، واستُدل بالآية الكريمة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. على اعتبار أن الآية خطاب لجميع المكلفين: مسلمين وكافرين.