ومما ورد في السنة دليلا على أَن عمل الكافر لا ينفعه يوم القيامة ولو كان صالحا، ما رواه مسلم في صحيحه عن أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله: ابنُ جُدْعَان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: "لا ينفعه، إِنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتى يوم الدين".

وكان عبد الله بن جدعانَ من وجوه بني تيْم ورؤَساء قريش، وكان قريبا لأُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وله تاريخ حافل بالجود والمكارم، فأَهَمَّها شأْنُه، فسأَلت عنه من لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه، فأَجابها بأَن شيئًا من هذه الصالحات التي عملها لا تنفعه يوم القيامة، لأَنه لم يصدق بالبعث فمات كافرا، والإِيمانُ هو الشرط الأَساسى في قبول الصالحات وحُسْنِ جزائها في الآخرة بقوله تعالى في شأن الكافرين: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا". أَما المؤمنون الصالحون، فإِنهم يُثابون أَحسن الثواب ولا يظلمون، قال تعالى: "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا" (?) وقال سبحانه: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ" (?).

وإِنما حُرم الكفار يوم القيامة ثواب ما عملوه في الدنيا منَ الصَّالحاتِ والمكارم؛ لأَنهم بنوها على غير أَساس سليم من معرفة الحق تبارك وتعالى، والإِيمان به والإِخلاص لوجهه، فجعلها الله هباءً منثورا، وحسبهم من عدل الله الذي لا يظلم أَحدا مثقال ذرة، أَن يكافئهم على هذه الصالحات في الدنيا، من سعة في الرزق، ورغد في العيش، وما إِليهما من الطيبات المعجلة لم في هذه الحياة. وقد بيَّن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أَنس ابن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِن الله لا يظلم مؤمنا حسنة: يُعطى بها في الدنيا، ويُجزَى بها في الآخرة، وأَما الكافر فيُطعم بحسنات ما عمل بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015