لله في الدنيا، حتى إِذا أَفضى إِلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. وفي هذا الحديث الصحيح الصريح فصل الخطاب.
ويرى بعض العلماءِ أَنه يجوز أَن يخفف الله تعالى عذاب بعض الكفار في الآخرة بما له من حسنات دنيوية، أَخذا من قوله عزّ سلطانه {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (?). فهذه الآية يفيد ظاهرها أَن عذاب الكفار فيه شديد وفيه أَشد، وذلك يقتضي أَن بغضهم أَخف عذاب من بعض، ويرجع هذا إِلى استفادتهم من أَعمال الخير التي عملوها. ويؤيد ذلك قوله تعالى: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ". (?) وقوله تعالى: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (?). كما استدلوا بما رواه البخاري ومسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أَنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أَغْنَيْتَ عن عمك، (?) فِإنه كان يَحُوطك ويَغْضَبُ لك؟ قال: (هو في ضَحضاح من نار، ولولا أَنَا لكان في الدرْك الأسفل من النار) (?). وكما أَن الجنة درجات، فالنار دَرَكات.
وبالجملة فقد وقع الإِجماع على خلود الكفار في النار، على اختِلاف دركاتهم، كما قال عز وجل: "وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" (?).