وبذا، نزَّه عيسى ربَّه - على رءُوس الأَشهاد - عن المشاركة في الذات والصفات، مع الخضوع لعزته والخوف من سطوته.
{مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}:
أَي: ليس من شأْنى - ولا ينبغي لى - أَن أَدَّعِىَ لنفسى ما ليس من حقها، فأَنا مَرْبُوبٌ ولست برب، وعابد ولست بمعبود. وذلك القول - بافتراض صدوره مني، فقد علمته.
إذ علْمكَ واسِع محيط بكل شيء: تعلم سِرِّى وما انطوى عليه ضميرى. ولا أَعم شيئا مما استأْثرتَ به من غيبك وعلمك، إِلا بِقَدْرِ ما تُظْهِره لي بالوحى. فالشك المفهوم من قوله: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} افتراضى لا حقيقى، ليقين عيسى عليه السلام بأَنه لم يقُلْه.
{إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}:
إِنك أَنت المحيط بجميع الغيوب، لا يخفى عليك شيء منها، في الأَرض ولا فى السماء.
ومن كان كذلك، فلا تخفى عليه براءَتى مما نسبه إِلَىَّ منْ أَلَّهُوني وأُمى.
117 - {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ... } الآية.
هذا تأْييد لعدم شكه، وأن الشك ادعائى أَو افتراضى، إِمعانا في العبودية، وإِعظاما للربوبية.
أَي: ما قلتُ لهم إِلا ما أَمرتَنى بإِبلاغه إِليهم. وهو الأَمر بعبادة الله ربي وربهم؛ لأَن الله خصّنى بالرسالة إِليهم. وما كِان لرسول أَن يُغَيَّرَ في تبليغ الرسالة.
{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ}:
أي: وكنت عليهم مراقبا لأَحوالهم؛ مرشدا لهم مدة بقائى بينهم.
(فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي):
أَي: فلما رَفَعْتَنِي إِليك؛ مستوفيا ما قدرته لي؛ إِنجاءً لي من كيد بني إِسرائيل وتدبيرهم لقتلى.