قوله: وقفوهم قال المفسرون: لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط، لأن السؤال عند الصراط، فقيل: وقفوهم {إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] قال ابن عباس: عن أعمالهم في الدنيا وأقاويلهم.

وقال مقاتل: سألتهم خزية جهنم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8] ، {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] ؟ ويجوز أن يكون هذا السؤال ما ذكر بعد، وهو قوله: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] أي أنهم يسئلون توبيخا لهم، فيقال: ما لكم لا تتناصرون؟ لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا؟ وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر: نحن جميع منتصر.

فقيل لهم ذلك: ما لكم غير متناصرين؟ قال الله تعالى: {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات: 26] يقال: استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع، والمعنى: هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم.

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ {27} قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ {28} قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {29} وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ {30} فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ {31} فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ {32} فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ {33} إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ {34} إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ {35} وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ {36} بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ {37} } [الصافات: 27-37] {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الصافات: 27] يعني: الرؤساء والأتباع، يتساءلون توبيخ وتأنيب، يقول الأتباع للرؤساء: لم غررتمونا؟ ويقولون لهم: لم قبلتم منا؟ وهو قوله: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] أي: من قبل الحق والدين والطاعة، فتضلوننا عنها.

قال الزجاج: كنتم تأتوننا من قبل الدين، فتروننا أن الدين الحق ما تضلوننا به.

واليمين عبارة عن الحق، وهذا كقوله إخبارا عن إبليس: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} [الأعراف: 17] فمن أتاه الشيطان من جهة اليمين فقد أتاه من قبل الدين، فليس عليه الحق.

وقال بعض أهل المعاني: إن الرؤساء كانوا قد جعلوا لهؤلاء أن ما بدعوتهم إليه هو الحق، فوقفوا بأيمانهم، فمعنى قوله: تأتوننا عن اليمين، أي: من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها، فتفتنون بها.

والمفسرون على القول الأول.

فقال لهم الرؤساء: {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الصافات: 29] لم تكونوا على الحق فنضلكم عنه، أي: إنما الكفر من قبلكم.

{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات: 30] من قدرة وقوة فتقهركم ونكرهكم على متابعتنا، {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات: 30] ضالين.

{فَحَقَّ عَلَيْنَا} [الصافات: 31] فوجب علينا جميعا، {قَوْلُ رَبِّنَا} [الصافات: 31] يعني كلمة العذاب، وهو قوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} [الأعراف: 18] الآية، {إِنَّا لَذَائِقُونَ} [الصافات: 31] العذاب الأليم، قال الزجاج: أي إن المضل والضال في النار.

{فَأَغْوَيْنَاكُمْ} [الصافات: 32] أضللناكم عن الهدى، ودعوناكم إلى ما كنا عليه، وهو قوله: {إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات: 32] .

يقول الله: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الصافات: 33] الرؤساء والذين أطاعوهم.

{إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات: 34] قال ابن عباس: الذين جعلوا لله شركاء.

{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35] يتكبرون عن الهدى وتوحيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015