والروح: هو جبريل عليه السّلام في رأي الأكثرين، لقول الله عز وجل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء: 26/ 193- 194] . والآية دليل على أن الملائكة وجبريل عليهم السّلام أعظم المخلوقات قدرا ومكانة، وعلى عظمة يوم القيامة ورهبته. وعطف الملائكة على جبريل: عطف عام لا خاص.
وذلك اليوم يوم القيامة هو اليوم الحق، أي الثابت الوقوع، المتحقق الذي لا ريب فيه، فمن أراد النجاة، اتخذ إلى ثواب ربه مرجعا وطريقا يهتدي إليه، ويقرّبه منه، ويدنيه من كرامته، ويباعده من عقابه، بالإيمان الحق والعمل الصالح.
ثم هدّد الله تعالى الكافرين، وحذّرهم وخوّفهم من ذلك اليوم يوم القيامة مرة أخرى. إننا يا أهل مكة وأمثالكم من الكفار، حذرناكم وخوفناكم عذابا قريب الوقوع، وهو في يوم القيامة، فإنه لتأكد وقوعه، صار قريبا، ولأن كل ما هو آت قريب، وفي هذا اليوم القريب الوقوع، ينظر كل امرئ ما قدم من خير أو شر في حياته الأولى في الدنيا، ويقول الكافر من شدة ما يعانيه من أنواع الأهوال والعذاب، كأبي بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وأبي جهل، وأبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي: ليتني كنت ترابا كالحيوانات، لم أخلق، فهو يتمنى أن لم يكن إنسانا موجودا أولا، ولا مبعوثا ثانيا أو مرة أخرى. وإنما تصير الحيوانات ترابا بعد الاقتصاص من بعضها لبعض.
وهاتان الآيتان الأخيرتان تدلان على أن الناس يكونون يوم القيامة فريقين: فريق المؤمنين المقربين من ثواب الله وكرامته ورضاه، وفريق الكافرين الجاحدين البعيدين من رحمة الله، الواقعين في صنوف العذاب.
فأي الفريقين أهدى سبيلا، وأرشد طريقا، وأسلم عاقبة، وأحسن قدوة؟! لو سئل صبي عاقل دون البلوغ عن الفرق لأجاب، ولما وسعه إلا اتباع أهل الإيمان والنجاة.