واجتناب نواهيه، مفازا أي موضع الفوز، لأنهم زحزحوا عن النار، وأدخلوا الجنة يتمتعون بالبساتين المسوّرة ذات الأشجار والثمار والأعناب اللذيذة الطعم، وبحوريات الجنة الكواعب النواهد، وذوات الأثداء التي لم تتكسر ولم تتدلّ، المتساويات في السن، ويتناولون الشراب اللذيذ بالكؤوس المترعة المملوءة بخمر الجنة غير المسكرة، وعطف الأعناب على الحدائق: عطف خاص على عام. لا يسمعون في الجنة الباطل من الكلام، ولا يكذّب بعضهم بعضا، مما يدل على نظافة البيئة وسموها الأدبي، لترتاح النفوس، ولا تخدش بالكلام الشاذ. جازاهم الله تعالى على إيمانهم وصالح أعمالهم، وأعطاهم ذلك عطاء، تفضلا منه وإحسانا، وهو كاف واف على قدر أعمالهم، إنجازا لوعد الله تعالى إياهم.
وهذا الرب المتفضل المجازي جزاء حسنا هو المتصف بالعظمة والجلال، ورب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وهو الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء، ولا يقدر أحد على ابتداء خطابه إلا بإذنه، لجلاله وهيبته.
لا يملك الناس خطاب الله تعالى يوم يقوم جبريل عليه السّلام وجميع الملائكة مصطفين (?) صفوفا منتظمة، مع رفعة أقدارهم ودرجاتهم، لا يتكلمون أيضا في يوم القيامة الرهيب إلا بشرطين:
الأول- الإذن من الله بالشفاعة، كما جاء في آية أخرى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 2/ 255] .
والثاني- أن يقول قولا صائبا: أي موافقا للحق والصدق إذا كان الإذن للشافع، وأن يكون ذلك المشفوع به ممن قال في الدنيا صوابا، أي شهد بالتوحيد بأن قال:
لا إله إلا الله، إذا كان الإذن للمشفوع له.