ومقتضيات العزة والحكمة: إن في خلق السماوات وخلق الأرض، لأدلة قاطعة على وجود الله، ووحدانيته، وقدرته الباهرة. وقد ذكر تعالى الأدلة أو الآيات التي في السماوات والأرض مجملة غير مفصلة، فكأنها إحالة على غوامض تثيرها الأفكار، ويخبر الشرع بكثير منها، والذي يستفيد من دلالات هذه الآيات: هم المؤمنون، الذين يعتمدون على العقل الصحيح، والتصديق الواقعي. وهذا دليل من الكون.
ثم ذكر الله تعالى دليلا من الأنفس، ففي خلقكم أيها البشر من غير وجود سابق، سواء من تراب، أو من طريق التزاوج، وما ينشر في الأرض والبحر والجو من الدواب المختلفة: آيات دالة على وجود الله وتوحيده، لقوم يوقنون، لهم نظر صحيح، يؤديهم إلى اليقين في معتقداتهم، والاطمئنان في قلوبهم.
وكذلك في اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما بالنور والظلام، وتفاوتهما في الطول والقصر، والحرارة والبرودة، والضياء والظلمة، وفيما أنزل الله من السحاب، من مطر يتسبب في رزق الأنفس وإحياء الأرض بالنبات والزرع، وفي تقليب الرياح وتغييرها من جهة إلى جهة، ومن حال إلى حال، جنوبا وشمالا، شرقا وغربا، برودة وحرا، ضررا ونفعا، لينا وشدة، في كل ذلك دلالات عظيمة على وجود الله سبحانه، ووحدانيته وقدرته التي ينتفع بها عادة أهل العقول الراجحة، ويتأمل بها ذوو الأفكار المتفحصون فيها وفي حقائقها. والرياح جمعا: هي المبشّرات بالخير، والريح بالمفرد: هي المنذرة بالعذاب.
والعبرة من كل ذلك أوجزها الله تعالى بقوله: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ أي هذه الدلائل المذكورة من الآيات الكونية والقرآنية، هي حجج الله وبراهينه وبيناته، نتلوها عليك أيها النبي، متضمنة الحق المبين، وهذا على حذف مضاف، أي نتلو شأنها وتفسيرها وشرح العبرة بها. وقوله تعالى نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ معناه بالصدق