والاعلام بحقائق الأمور في أنفسها، ليستفيد منها البشر قاطبة، فبأي بيان أو كلام يا أهل مكة وأمثالكم بعد بيان الله وكلامه، وتفصيل آياته، وهو القرآن الكريم، تؤمنون أو تصدقون؟! والتعبير بكلمة (تلك) إشارة إلى علو مرتبة الآيات، وفي هذا توبيخ وتقريع، وفيه قوة التهديد.
ويلاحظ أن أدلة إثبات وجود الله ووحدانيته، ذيلت فيها آي القرآن بعبارة لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ولِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ولِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ لإفادة التلازم بين الإيمان الذي هو التصديق، واليقين الذي هو كمال الاقتناع، والعقل الذي هو إعمال الفكر الصحيح، وهذه كلّها ضروريات للمعرفة وتكوين العقيدة، لأنه في ضمن الإيمان العقل، واليقين، والتصديق. ويتوقف الاعتقاد على كل من العقل، وتيقن الشيء، ثم التصديق التام به الذي لا يخالطه أي شبهة أو شك، ولا يصح إيمان من دون هذه الأمور الثلاثة، التي ينبغي استعمال كل منها في موضعه، فيبتدئ المفكر من العقل أو القلب الواعي، ثم ينتقل بالدليل القطعي إلى اليقين، ثم يتحقق التصديق النهائي بالمعتقد الصحيح.
حينما لا تجدي الكلمة المخلصة، والموعظة البالغة، ويصرّ الإنسان على موقف الضلال والعناد، لا يبقى بعد ذلك إلا التهديد والوعيد بالجزاء الحاسم، وهكذا كانت توجيهات القرآن الكريم، مع المشركين المكيين وقت نزول الوحي، لم يترك القرآن وسيلة لتذكيرهم، وإقناعهم بالبراهين الحسية القاطعة على توحيد الله تعالى إلا سلكها معهم، ومع ذلك آثروا الشقاق والخلاف والمعارضة، والإبقاء على عقيدة الوثنية، وتكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبما أنزل عليه من الآيات البينات، فاستحقوا الوعيد