والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته- تعالى- لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإحسان.
وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن الرَّحْمنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن الرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصة. ويرى آخرون أن الرَّحْمنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن الرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.
ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذي يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي في كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة (?) .
أو أن الرَّحْمنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإحسان. والرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.
ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأن في أسماء الذات. قال- تعالى-: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ والرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى، قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ، وهكذا ...
أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفا فعليا، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال- تعالى- إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ- وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً، إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.
قال بعض العلماء «وهذا الرأى في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغا أن يقال في القرآن:
إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها» (?) .
والجار والمجرور «بسم» متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.
والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركا ومتيمنا باسم الله الذي هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذي رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.