إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا الّتي نحن فيها ودنت منا أقيم الضمير مقام الحيوة الاولى لدلالة الثانية عليها حذرا عن التكرير وشعارا بان تعيينها مغن عن التصريح بها- فان نافية دخلت على هى الّتي في معنى الحيوة الدالة على الجنس مثل لا الّتي لنفى الجنس نَمُوتُ وَنَحْيا يعنى يموت بعضنا ويحيى بعضنا قال البغوي فيه تقديم وتأخير اى نحيى ونموت لانهم كانوا ينكرون البعث بعد الموت وهذا القول مبنى على كون ضمير المتكلم مع الغير لجميع الناس- قلت وعلى تقدير كون الضمير لجميع الناس ايضا لا حاجة الى القول بالتقديم والتأخير إذ الواو لمطلق الجمع دون الترتيب فالمعنى يثبت لجميع الناس في الدنيا موت وحيوة ولا حيوة غير لهذه الحيوة وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) بعد الموت حال او عطف.
إِنْ هُوَ يعنى ما الّذي يدعى الرسالة إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ فيما يدعيه من الرسالة او فيما يعدها من البعث كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) اى مصدقين وهذه الجملة تأكيد لقولهم ما هذا الّا بشر.
قالَ الرسول رَبِّ انْصُرْنِي عليهم وانتقم لى منهم بِما كَذَّبُونِ (39) اى بسبب تكذيبهم إياي.
قالَ الله عَمَّا قَلِيلٍ ما زائدة لتأكيد معنى القلة او نكرة موصوفة بمعنى شيء والمراد به الزمان يعنى عن زمان قليل لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40) على تكذيبهم إذا عاينوا العذاب.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ قيل أراد بالصيحة الهلاك وفي القاموس الصيحة والصياح الصوت بأقصى الطاقة وصيح بهم نزعوا وفيهم هلكوا والصيحة العذاب فان كان القصة لعاد فالمراد بالصيحة هاهنا العذاب وان كان لثمود فالمراد بها الصوت وقد ذكرنا قصتهم في سورة الأعراف انه أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتصدعت قلوبهم بِالْحَقِّ اى بالوجه الثابت الّذي لا دافع له او بالعدل كقولك فلان يقضى بالحق او بالوعد الصدق فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً اى هلكى شبههم في دمارهم بغثاء الليل وهو حميله- يقول العرب لمن هلك سال به الوادي فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)