تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، وترد حيث تشاء من أنهار وأشجار الجنة، ولها شرف العبور إلى ذلك النهر في منتهى سيرها، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين، فإنها تطير بأنفسها.

وقوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

فرحين: في محل نصب حال من المضمر في {يُرْزَقُونَ}.

فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم الله من فضله، مستبشرون بمن لم يلحق بهم.

قال ابن إسحاق: (أي: ويسرون بلحوق من لحق بهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم، وأذهب الله عنهم الخوف والحزن).

وقال ابن جريج: (يقولون: إخواننا يقتلون كما قتلنا، يلحقوننا فيصيبون من كرامة الله تعالى مَا أَصَبْنا). وخلاصة المعنى كما أفاد شيخ المفسرين رحمه الله: قال ابن جرير: (يفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على منهاجهم من جهاد أعداء الله مع رسوله، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا فلحقوا بهم صاروا من كرامة الله إلى مثل الذي صاروا هم إليه ... لا خوف عليهم، لأنهم قد أمنوا عقاب الله، وأيقنوا برضاه عنهم، ... ، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم من أسباب الدنيا ونكد عيشها، للخفض الذي صَاروا إليه والدعة والزُّلْفة).

قلت: وقد ثبت لقاء أرواح المؤمنين وتزاورها في حياة البرزخ وفرح بعضها بقدوم بعض - في السنة الصحيحة -: فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إذا حُضرَ المؤمن أتتْ ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرُجي راضية مرضيًّا عنك، إلى رَوْحِ الله وريحان، وربّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليُناوله بعضهم بعضًا، حتى يأتوا به أبوابَ السماء، فيقولون: ما أطيبَ هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحًا به من أحدكم بغائبه يقدُم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلانٌ، ماذا فعل فلان؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015