المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا، قال: فما زال يستغيث ربه عز وجل ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}. فلما كان يومئذ والتقوا فهزم الله عز وجل المشركين فقتل منهم سبعون رجلًا وأسر منهم سبعون رجلًا، فاستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعليًّا وعمر رضي الله عنهم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان قريبًا لعمر فأضرب عنقه، وتمكن عليًّا رضي الله عنه من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم، فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر رضي الله عنه، ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء، فلما أن كان من الغد قال عمر رضي الله عنه: غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قاعد وأبو بكر رضي الله عنه وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما! قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الذي عرض عليّ أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الضجرة - لشجرة قريبة - وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} من الفداء، ثم أحل الله لهم الغنائم، فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكُسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} بأخذكم الفداء] (?).
وقوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}. قال الحسن: (فإنما أصابنا هذا لأنا قبلنا الفداء يوم بدر من الأسارى، وعصينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد).