مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}. الآية، وإنما عنى بهذا الرماة.

وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامهم في موضع، ثم قال: "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نُقْتَلُ فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا". فلما غنم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأباحوا عسكر المشركين، أكبّ الرماة جميعًا ودخلوا في العسكر ينهبون، ولقد التقت صفوف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم هكذا - وشبك بين يديه - وانتشبوا، فلما أخَلّ الرماة تلك الخَلَّة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضرب بعضهم بعضًا والتبسوا، وقتل من المسلمين ناس كثير، وقد كان النصر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أول النهار .. ] (?).

وفي صحيح البخاري عن البراء قال: [لقينا المشركين يومئذ، وأجْلَسَ النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشًا من الرماة، وأمَّر عليهم عبد الله - يعني ابن جبير - وقال: "لا تَبْرَحُوا إن رأيتمونا ظَهَرْنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تُعينونا". فلما لقيناهم هَرَبوا، حتى رأيت النساء يشْتَددنَ في الجبل، رفعن عن سوقهنّ، قد بدت خلاخِلُهُنَّ، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله بن جبير: عهد إليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا تبرحوا. فأبوا، فلما أبَوا صرف وجوههم، فَأصيبَ سبعون قتيلًا، فأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قُتلوا، فلو كانوا أحياءً لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال له: كَذَبْتَ يا عدوَّ الله، أبقى الله لك ما يُحْزِنُكَ. فقال أبو سفيان: اعْلُ هُبَل. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجَلّ. قال أبو سفيان: لنا العُزّى ولا عزَّى لكم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سِجالٌ، وستجدون مُثْلَة لم آمر بها ولم تسؤني] (?).

وقوله: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ}. قال قتادة: (أي: اختلفتم في الأمر, {وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}، وذاكم يوم أحد، عهد إليهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأمَرَهُم بأمر فنسوا العهد، وجاوزوا، وخالفوا ما أمرهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فقذف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015