يكون للرجل فضل دين، فيأتيه إذا حلّ الأجل فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضى، وإلا حوّله إلى السن التي فوق ذلك، إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية، ثم حِقَّة، ثم جَذَعة، ثم رباعيًّا، ثم هكذا إلى فوق، وفي العين يأتيه، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضًا، فتكون مئة فيجعلها إلى قابل مئتين. فإن لم يكن عنده جعلها أربِع مئة، يضعفها له كل سنة أو يقضيه. قال: فهذا قوله: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}.
وقد يسأل سائل: ما علاقة آية الربا بمعركة أحد، إذ تخللت هذه الآية فجأة بين آيات وصف المعركة! ؟
والجواب والله المستعان: كأن الله سبحانه يقول للمؤمنين الذين قاتلوا يوم أحد: كما أن الربا من أمر الجاهلية فيه تجاوز للحق، فكذلك ما حصل يوم أحد حينما عصى بعضكما أمر الرسول وغادروا المواقع فيه تجاوز للحد، فالربا فيه تجاوز للحد وكذلك معصية إلرسول، وكلاهما محرم ممنوع.
وهذا التفسير من ربط الربا بالحديث عن المعركة وآلام بعض مواقفها والحث على الطاعة مما لم أقف عليه في التفاسير، وأظنه من فتح الله وإلهامه وتوفيقه، وهو سبحانه وتعالى أعلم.
وقد ذكر الإمام القرطبي في التفسير عند هذه الآية نكتة بديعة أخرى حيث قال: (وإنما خصّ الربا من بين سائر المعاصي، لأنه الذي أذن فيه بالحرب في قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} والحرب يؤذن بالقتل، فكأنه يقول: إن لم تتقوا الربا هُزِمتم وقتلتم. فأمرهم بترك الربا، لأنه كان معمولًا به عندهم والله أعلم).
ثم أمرهم سبحانه باستئناف حياة الطاعة لله والرسول والمسارعة إلى طلب المغفرة والأعمال الموصلة إلى الجنان ونعيم الآخرة، فإنما ينفعكم أيها المؤمنون أن تسارعوا إلى مغفرة من الله ورضوان وجنات فيها نعيم مقيم، وأن تخبتوا له سبحانه ولا تصروا على الزلل ومعاودة السقوط، وترفقوا بالناس إذا زلوا كما زللتم أو ضعفوا كما ضعفتم.
فقوله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} فيه أكثر من تأويل متقارب في المفهوم:
الأول: المسارعة إلى الصلوات المفروضة والنوافل. فعن أنس بن مالك ومكحول قالا: (معناه إلى تكبيرة الإحرام).