قال ابن إسحاق: (فجميع من قتل الله تبارك وتعالى يوم أحد من المشركين اثنان وعشرون رجلًا).

ثم قال سبحانه: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ}. أي: يخزيهم بالخيبة مما رجوا من الظفر بكم أيها المؤمنون سواء يوم بدر إذ رجعوا فَلَّا منهزمين، أو يوم أحد إذ لم يصيبوا شيئًا مما رجوا وكانوا يأملون.

فعن قتادة: (قوله: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} يقول: يخزيهم).

وقد تجلّى هذا الكبت والخزي لجيش مكة وقادته في الأمور التالية:

أولًا: إن جيش المدينة بقي صامدًا، إذ لم يلتجئ المقدار الكبير منهم إلى الفرار رغم الارتباك الذي حصل، والفوضى التي عمت وسرت، بل قاوم ببسالة وشجاعة واستماتة حتى تجمع حول مقر قيادته والتف حولها، ولم تسقط كفته إلى حد يطارده جيش المشركين.

ثانيًا: إن جيش المدينة لم يقع أحد منهم في الأسر، رغم الطوق الحديدي الذي فرضه عليهم فرسان مكة وجنودها الغاضبون.

ثالثًا: لم يحصل كفار مكة على شيء من غنائم المسلمين رغم تطور الأحداث لصالحهم في بعض مراحل القتال.

رابعًا: لم ينهض كفار مكة إلى الصفحة الثالثة من القتال، مع أن جيش المسلمين لم يزل في معسكره أمام أعينهم وعلى مدّ أبصارهم.

خامسًا: ومغادرة المشركين أرض المعركة فورًا، إذ لم يقيموا بها يومًا أو يومين أو ثلاثة كعادة المنتصر في ذاك الزمان، مما يشير إلى خوف ورعب قد ملأ قلوبهم، وخشية من تطور مفاجئ للأحداث لا يمضي لصالحهم.

سادسًا: عدم اجترائهم على دخول المدينة لنهب أموالها وسبي ذراريها ونسائها، رغم أنها كانت على خطوات قريبة منهم، وكانت مفتوحة أمام تقدمهم لو أرادوا.

فكل هذه المعاني والآفاق داخلة في مفهوم قوله تعالى: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ}. فقد انسحب أبو سفيان من ساحة المعركة بسرعة كبيرة، خشية صفحة ثالثة من القتال، تكون فيها المعرة والهزيمة، وتستأنف فيها الفئة المؤمنة شجاعتها وتألقها المعهود.

ومع ذلك يا محمد، ليس لك من الأمر شيء، فلو شاء الله لهداهم أو أخزاهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015