ثم وعدهم سبحانه وعدًا مماثلًا يوم أحد، أنهم إن يصبروا ويتقوا الله ويصدقوه الإيمان والقتال، ويأتيهم كفار قريش وتُبّاعهم {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا}، وهو ابتداء غضبهم الذي غضبوه لقتلاهم ببدر، يمددهم الله بخمسة آلاف من الملائكة الكرام، يقاتلون معهم في سبيل الله، ويقذفون الرعب في صفوف المشركين ويفرقوهم ويمزقوهم.
وقوله تعالى: {وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} له تأويلان عند المفسرين:
التأويل الأول: ما ذكره مجاهد، قال: (من غضبهم هذا). يعني الكفار يوم أحد، غضبوا ليوم بدر مما لقوا.
والتأويل الثاني: ما ذكره قتادة، قال: (من وجههم هذا) والمراد يوم بدر، إذ همّ كرز بن جابر وأصحابه بنصرة المشركين.
قال أبو جعفر: (وأصْلُ الفَوْر: ابتداء الأمر يؤخذ فيه ثم يوصل بآخر).
وفي لغة العرب: فارت القدرُ فورًا وفورانًا إذا ابتدأ ما فيها بالغليان ثم اتصل.
ويُقال: مضيت إلى فلان من فوري هذا: أي من وجهي الذي ابتدأت فيه.
ولم يحصل المدد يوم أحد لعدم الصبر ومخالفة الأمر، على العكس من يوم بدر، وكنتم أيها المؤمنون يومئذ أحوج ما تحتاجون إلى مدد الملائكة وتأييدهم، لتطمئن بذلك قلوبكم، وتسكن بذلك نفوسكم، فما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، ليقطع طرفًا من الذين كفروا (أي طائفة) قتلهم يوم بدر، وكانوا صناديدهم وقادتهم.
قال قتادة: (فقطع الله يوم بدر طرفًا من الكفار، وقتل صناديدهم ورؤساءهم وقادتهم في الشر).
وقأل الحسن: (هذا يوم بدر، قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة).
وقال ابن إسحاق: (أي ليقطع طرفًا من المشركين بقتل ينتقم به منهم).
وقطع طرفًا آخر منهم يوم أُحد، إذ قُتل منهم بضع وعشرون من قادتهم وفرسانهم. قال السدي: (ذكر الله قتلى المشركين -يعني بأحد- وكانوا ثمانية عشر رجلًا فقال: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ثم ذكر الشهداء فقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الآية). في حين فصّل ابن إسحاق وابن هشام في السيرة أسماء القتلى من مختلف بطون المشركين.