ثم ذَكَّرَ الله سبحانه المؤمنين بيوم بدر، إذ كانوا قلة فأضعف أعداءهم، وأمدّهم بالملائكة المسوِّمين، أي المُعْلَمين، وعوض النقص بالعدد والعدة بهم. فقال جلَّ ذكره: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. قال ابن إسحاق: (أي: فاتقوني، فإنه شكر نعمتي).

124 - 129. قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}.

في هذه الآيات: إخبار الله تعالى عن يوم بدر وما كان من مشاركة الملائكة المؤمنين النصر، ونزول البشرى والطمأنينة والظفر. ثم وعدهم سبحانه وعدًا مماثلًا، يوم أحد، إن يصبروا ويصدقوا الاتباع والتقوى، فما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم. ليقطع طرفًا من المشركين فينتقم منهم أو يخزيهم بالخيبة والرجوع أذلاء صاغرين. إنه ليس لك -يا محمد- من الأمر شيء، فلو شاء الله لهداهم أو أخزاهم، فلا تستبعد إنابتهم، فقلوبهم بيد مالك السماوات والأرض العزيز الغفور الرحيم.

قال الحسن: ({إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ}، قال: هذا يوم بدر). وقال ابن إسحاق: (كانت سيماهم يوم بدر عمائم بيضًا). ولا تعارض مع قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} -إلى قوله-: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، فإن قوله {مُرْدِفِينَ} أي: يَرْدَفُهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، فالتنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها، ذكره ابن كثير. وبعض المفسرين ذهب أن الآية في يوم أحد، والتفسير الأول الذي ذكرناه أقرب، وهو اختيار شيخ المفسرين ابن جرير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015