إن هاهنا غلامًا من أهل الحيرة، حافظ كاتب، فلو اتخذته كاتبًا؟ فقال: (قد اتخذت إذن بطانة من دون المؤمنين).

وقوله: {هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}. قال ابن جرير: (يقول: تحبون هؤلاء الكفار الذين نهيتكم عن اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، فتودونهم وتواصلونهم وهم لا يحبونكم، بل يبطنون لكم العداوة والغش).

وقوله: {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}. قال ابن عباس: (أي: بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك، وهم يكفرون بكتابكم، فأنتم أحق بالبغضاء لهم، منهم لكم).

وقوله: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}. قال قتادة: (إذا لقوا المؤمنين قالوا: {آمَنَّا}، ليس بهم إلا مخافة على دمائهم وأموالهم، فصانعوهم بذلك، {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، يقول: مما يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة لما هم عليه. لو يجدون ريحًا لكانوا على المؤمنين، فهم كما نعت الله عزَّ وجلَّ).

والأنامل: جمع "أنْمُلَة". قال السدي: (الأصابع). وقال قتادة: (أطراف الأصابع). والمقصود: عضوا على أصابعهم تغيظًا من قوة المسلمين وتمنيًا لإفساد شوكتهم.

وقوله: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}. أي: قل يا محمد لهؤلاء الحُسّاد -من اليهود وأمثالهم من أهل الكتاب والمشركين- موتوا غيظًا لما رأيتموه من شوكة المؤمنين واجتماع كلمتهم وائتلاف جماعتهم، فإن الله مع المؤمنين يؤيدهم بنصره وعونه، وهو ذو علم بما تخفيه صدور العالمين، من المنافقين والمؤمنين.

وقوله: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا}. قال الربيع: (هم المنافقون، إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك غيظًا شديدًا وساءهم. وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافًا، أو أصيب طرفٌ من أطراف المسلمين، سرَّهم ذلك وأعجبوا به. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015