مجاهد: (بكة هي مكة). وقيل: سميت بكّة لأنها تَبُكّ أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يذلّون بها ويخضعون عندها. قال عبد الله بن الزبير: (لم يقصدها جبار قطّ بسوء إلا وقَصَهُ الله عزَّ وجلَّ).

وقيل: بكّة مشتقة من البَكّ وهو الازدحام. وسميت بذلك لازدحام الناس في موضع طوافهم. قال قتادة: (إن الله بكَّ به الناس جميعًا، فيصلي النساء أمام الرجال، ولَا يُفْعَل ذلك ببلد غيرها). أما مكة فسميت بذلك لأنها تمكّ من ظلم فيها أي تهلكه، وقيل: لقلة مائها سميت بذلك، وقيل لأنها تمك المخ من العظم مما ينال قاصدها من المشقة.

قلت: وكل هذه المعاني محتملة، فإن "بكة" موضع البيت، ومكة سائر البلد. ومن أسمائها: مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، وأم رُحْم، وأم القرى، والبلدة، والكعبة وغير ذلك.

وقوله: {مُبَارَكًا}. أي: جعله الله مباركًا لتضاعف العمل فيه، وقد نُصب على الحال.

وقوله: {وَهُدًى لِلْعَالمِينَ}. عطف عليه، يعني: ومآبًا لنسك الناسكين وطواف الطائفين، تعظيمًا لله رب العالمين.

وقوله: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}. أي فيه علامات واضحات أنه من بناء إبراهيم، وهناك قراءة: "فيه آية بينة". قال مجاهد: (قدَماه في المقام آية بينة). والقراءة الأولى أشهر. قال قتادة: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}، قال: مقامُ إبراهيم، من الآيات البينات). وقال ابن عباس: (مقام إبراهيم والمشعر). قال ابن كثير: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} يعني الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولدُه إسماعيل، وقد كان مُلْصقًا بجدار البيت، حتى أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطُّواف منه، ولا يشوّشون على المصلين عنده بعد الطواف، لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}.

وقوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}. قال ابن عباس: (من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يُؤوى ولا يُطْعَمُ ولا يُسْقى، فإذا خرج أُخِذَ بذنبه). وقال الحسن وعطاء: (في الرجل يصيب الحدّ ويلجأ إلى الحرم - يخرج من الحرم، فيقامُ عليه الحد).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015