بينهما؟ قال: أربعون عامًا، ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصل] (?).
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 49): (أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد به، فقال: معلوم أن سليمان هو الذي بنى المسجد الأقصى، وبينهُ وبين إبراهيم أكثر من ألف عام، وهذا جهل من هذا القائل، فإن سليمان إنما جدّد المسجد الأقصى، والذي أسّسه أولًا يعقوب بن إسحاق).
أخرج النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: [أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خِلالًا ثلاثة: سأل الله عزَّ وجلَّ حُكْمًا يصادف حكمه فأُوتِيَهُ، وسأل الله عزَّ وجلَّ مُلْكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عزَّ وجلَّ حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا يَنْهَزُهُ (?) إلا الصلاةُ فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمّه فأوتيه] (?).
قال القرطبي في التفسير بعد إيراده الحديثين: (فجاء إشكالٌ بين الحديثين، لأن بين إبراهيم وسليمان آمادًا طويلة. قال أهل التواريخ: أكثر من ألف سنة. فقيل: إن إبراهيم وسليمان عليهما السلام إنما جدّدا ما كان أسَّسَه غيرهما. وقد روي أن أوّل من بنى البيت آدم عليه السلام كما تقدّم. فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عامًا، ويجوز أن تكون الملائكة أيضًا بنته بعد بنائها البيت بإذن الله، وكل محتمل، والله أعلم).
قلت: والتمسك بالنص أولى من التأويل، فهو صريح أن أول بيت وضع للناس بيت الله الحرام، والله أعلم بمن وضع أساسه الأول هل هو آدم أو بعض ولده أو الملائكة، ثم وُضع المسجد الأقصى بعده بأربعين عامًا، والله أعلم بمن وضعه، أهو يعقوب أم إبراهيم عليهما السلام، أم غيرهما، ثم جُدِّد بناء الكعبة والمسجد الأقصى، فأقام الأول إبراهيم، وجدد بناء الثاني سليمان عليهما السلام، والله تعالى أعلم.
وقوله: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} خبر إن، واللام للتوكيد، وبكّة من أسماء مكة. قال