والمعنى: إنه لا معبود بحق إلا اللَّه لا إله غيره، نقر له بالألوهية ونسجد له اختيارًا، ومن أبى منكم فليعلم أن من أهمل السجود له باختياره سجد له إجبارًا، ونحن برآء من عملكم ومنهاجكم. كما قال تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: 41].
وكقوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} -إلى قوله-: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. وهي سورة الولاء والبراء يصف اللَّه بها منهاج المؤمنين في براءتهم من منهاج أهل الكفر والمشركين. وقد استدل الإمام أبو عبد اللَّه الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} على أن الكفر كله ملة واحدة.
وقوله: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}. قال مجاهد وابن زيد: (لا خصومة بيننا وبينكم).
قال القاسمي: (أي لا خصومة ولا محاجة بعد هذا، لأن الحق قد ظهر، ولم يبق للمحاجة حاجة، ولا للمخالفة محل سوى المكابرة).
وقوله: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}. أي: يجمع اللَّه بيننا يوم القيامة فيقضي بالحق فيما اختلفنا فيه، فإنه إليه المعاد والمآل والمرجع لنوال الثواب أو نكال العقاب.
16 - 18. قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)}.
في هذه الآيات: ذمُّ اللَّه تعالى أهل الضلالة الذين يجادلون من استجابوا للحق وتوعُّدُهم العذاب الأليم، فاللَّه تعالى أنزل الكتاب والميزان لفهم هذا الدين القويم، فالمشركون مستخفّون بأمر الساعة والمؤمنون مشفقون من هول ذاك اليوم العظيم.
فعن ابن عباس: (قوله: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}. قال: هم أهل الكتاب كانوا يجادلون