المسلمين، ويصدونهم عن الهدى من بعد ما استجابوا للَّه. وقال: هم أهل الضلالة كان استجيب لهم على ضلالتهم وهم يتربصون بأن تأتيهم الجاهلية).

وعن مجاهد: ({وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ}، قال: طمع رجال بأن تعود الجاهلية، بعدما دخل الناس في الإسلام). قال قتادة: (هم اليهود والنصارى حاجّوا أصحاب نبيّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبيّنا قبل نبيّكم، ونحن أولى باللَّه منكم). وفي رواية: (ونحن خير منكم).

والآية توعّدٌ للذين يصدون عن سبيل اللَّه بعد ظهور حجة الوحي البالغة بإبطال حججهم عند اللَّه وأليم العذاب يوم القيامة.

وقوله: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}. قال قتادة: (الميزان: العدل فيما أمر به ونهى عنه). أي: اللَّه تعالى أنزل القرآن وسائر الكتب المنزلة {بِالْحَقِّ} أي بالصدق {وَالْمِيزَانَ} أي بالعدل.

قال القرطبي: (والعدل يسمى ميزانًا، لأن الميزان آلة الإنصاف والعدل. وقيل: الميزان ما بيّن في الكتب مما يجب على الإنسان أن يعمل به. وقيل: هو الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب. وقيل: إنه الميزان نفسه الذي يوزن به، أنزله من السماء وعلّم العباد الوزن به، لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس).

قلت: والأقوال السابقة متقاربة متكاملة، مفادها أن اللَّه تعالى أنزل الميزان الذي هو مقياس العدل الذي يوزن به الحقوق ويسوّى به الخلاف سواء في الدنيا أو في الآخرة.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 - قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

2 - وقال تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7 - 9].

3 - وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].

4 - وقال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8 - 9].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015