المشركين، وما حصل التفرق والتمزق إلا بسبب الاستكبار عن طاعة رب العالمين، واللَّه يجمع الخلق ليوم الحشر ثم يفصل بينهم وهو خير الفاصلين.
فقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ}.
شرع: أي نهج وأوضح وسَن وَبيَّن المسالك. قال مجاهد: (قوله: {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}: ما أوصاك به وأنبياءه كلهم دين واحد). وعن السدي قال: (هو الدين كله). وقال: ({أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ}: اعملوا به). قال قتادة: (بعث نوح حين بعث بالشريعة بتحليل الحلال، وتحريم الحرام {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى}).
قال ابن جرير: ({شَرَعَ لَكُمْ} ربكم أيها الناس من الدين ما وصينا به نوحًا أن يعمله {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمد. قال: شرع لكم من الدين أن أقيموا الدين). قال: (فمعلوم أن الذي أوصى به جميع هؤلاء الأنبياء وصية واحدة وهي إقامة الدين الحق ولا تتفرقوا فيه). قال القرطبي: ({أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} وهو توحيد اللَّه وطاعته، والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء، وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلمًا. ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسن أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة، قال اللَّه تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]).
وقوله: {وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}. قال قتادة: (تعلّموا أن الفرقة هلكة وأن الجماعة ثقة).
وقال التنزيل:
1 - قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
2 - وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ} [الروم: 31 - 32].
ومن صحيح السنة العطرة في ذلك أحاديث، منها:
الحديث الأول: يروي الترمذي بسند صحيح عن عبد اللَّه بن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إن اللَّه تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد اللَّه على الجماعة] (?).
الحديث الثاني: يروي أبو نعيم في "الحلية" بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: قال