وقال القرطبي: ({لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا}: أي يكرمهم ولا يؤاخذهم بما عملوا قبل الإسلام).

وجملة المعنى: أنَّ المؤمن حياته كلها خير، إن كان عنده سيئات فمدّ اللَّهُ له في العمر استغفر واستعتب منها وأكثر من الأعمال الصالحات، فبارك اللَّه له في حياته ورفع له في الجنة درجاته باحسن أعماله في الدنيا، فإن من الأعمال أعمالًا لا يعلم وزنها وقيمتها إلا اللَّه، فليكثر المؤمن من الأعمال العالية التي لا ينالها كثير من الناس عسى اللَّه أن يرفعه بها إلى حيث لا يحتسب ويتجاوز بها عن بعض الزلات والعيوب والسيئات. فقد خرّج الإمام مسلم في صحيحه عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره: [أنه قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أرأيتَ أمورًا كنت أتحنَّث (?) بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلةِ رحم، أفيها أجر؟ فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أسلمت على ما أَسْلفْتَ من خير] (?).

ولهذا كان من غير الجائز أن يتمنى المسلم الموت لمرض أو حزن أو أصابه فإنه لا يدري في أي حياتهِ وأيامهِ يكون له الخير. فقد روى الحاكم ووافقه الذهبي عن أم الفضل رضي اللَّهُ عنها: [أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليهم وعباس عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشتكي، فتمنى عباس الموت، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا عم! لا تتمنَّ الموت، فإنكَ إن كنتَ مُحسنًا، فأن تؤخر تزداد إحسانًا إلى إحسانكَ خير لك، وإن كنتَ مسيئًا فأن تؤخر فتستعتب من إساءتك خير لك، فلا تتمن الموت] (?).

وقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

قال السدي: ({أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} يقول: محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-). وقال ابن زيد: (بلى واللَّه ليكفينه اللَّه ويعزه وينصره كما وعده). وقال القاسمي: (أي نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعصمه من كل سوء ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف). وقال الجرجاني: (إن اللَّه كافٍ عبده المؤمن وعبده الكافر هذا بالثواب وهذا بالعقاب).

وفي قراءة قراء بعض أهل المدينة والكوفة: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} أي محمدًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015