ما فيه). وفي رواية عن مجاهد قال: (هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون: هذا الذي أعطيتمونا، فاتبعنا ما فيه).

قلت: والآيةُ بإعجازها تشمل كل ما ذكر، فمن جاء بالصدق يتضمن جبريل عليهِ السلام وهذا النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم، وصحابته المؤمنين. ومن صدق به فهم كل من قام بهذا الأمر من لدن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يوم القيامة، فهو يشمل كل من دعا إلى (لا إله إلا اللَّه) والقيام بلوازمها والحكم بمقتضاها وكل من حمل الأمانة بصدق وقام بالقرآن بأمانة وعلم إلى يوم يرث اللَّه الأرض ومن عليها.

وقوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. قال ابن عباس: (يقول: اتقوا الشرك). والتقوى من أجَلِّ الرغائب وهي طريق النجاة يوم القيامة والفوز بالنعيم ورغد العيش كما قال سبحانهُ في الآية التي بعدها:

قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}. قيل: الثناء في الدنيا والنعيم في الآخرة. كما قال جل ثناؤه في سورة "ق": {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 31 - 35].

وفي الصحيحين والمسند عن أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [قال اللَّهُ تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر] (?).

وقوله تعالى: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}. هو كقوله جلّ ثناؤه في سورة الأحقاف: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16].

قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وجزى هؤلاء المحسنين ربهم بإحسانهم كيْ يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال فيما بينهم وبين ربهم بما كان منهم فيها من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} ويثيبهم ثوابهم {بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الدنيا {يَعْمَلُونَ} مما يرضي اللَّه عنهم دون أسوئها).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015