يعتقد أنه لا يموت مع كونه توطئة وتمهيدًا لما بعده حيث قال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}).

وهناك من قرأها: "مائت ومائتون"، ولكن قراءة الجمهور أشهر {مَيِّتٌ} و {مَيِّتُونَ}. وأما الاختصام ففي معناه أقوال:

الأول: قال ابن عباس: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قال: يقول: يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضال، والضعيف المستكبر). وقال أبو العالية: (نزلت في أهل القبلة وذلكَ في الدماء والمظالم التي بينهم).

الثاني: عن ابن زيد: (أهل الإسلام وأهل الكفر).

الثالث: قيل: بل هو اختصام أهل الإسلام. ففي الأثر عن ابن عمر قال: (لقد عشنا برهة من دهرنا ونحن نرى هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فقلنا: وكيف نختصم ونبينا واحد وديننا واحد، حتى رأيتُ بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها فينا نزلت).

وبنحوه أُثِرَ عن أبي سعيد الخدري قوله: (كنا نقول ربنا واحد، وديننا واحد، ونبينا واحد، فمَا هذه الخصومة؟ فلما كان يومُ صِفّين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا).

وعن إبراهيم النَّخعي: (لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولون: ما خصومتنا بيننا؟ فلما قتل عثمان رضي اللَّه عنه قالوا: هذه خصومتنا بيننا).

الرابع: قيل المعنى تربص الكفار بموت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال النسفي: (كانوا يتربصون برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- موته فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني، قال: فتَحْتَجّ أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا واجتهدت في الدعوة فلّجوا في العناد).

قلت: والراجح عندي أن الآية عامة فلا حاجة لكم أيها المشركون أن تنتظروا موت محمد لتشعروا كما يخيّل إليكم بالأمن فإن الأمن هو الحق ودولته وما سوى ذلكَ فهو الخطر والقلق والخوف، فإنكم ماضون جميعًا عن هذه الحياة خارجون منها وإنما يبقى الحق ويبقى الإسلام، ثم تردون إلى عالم الغيبِ والشهادةِ فَيُبَيِّنُ لكم الفصل في ما كنتم تختلفون، ويكشف أمام خلقه سوء النية والمكر الذي كنتم تُبَيِّتُون، وفي ذلكَ اليوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015