وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. قال ابن عباس: (يقول: مَنْ اختُلِفَ فيهِ خير أم من لم يُخْتَلَف فيه؟ ).

وقال ابن جرير: (بل أكثر هؤلاء المشركين باللَّه لا يعلمون أنهما لا يستويان فهم بجهلهم بذلكَ يعبدون آلهة شتى من دون اللَّه). وقال ابن كثير: (أي فلجهلهم يشركون باللَّه).

وغاية القول: أَنَّ هؤلاء بشركهم قد أعماهم اللَّه عن الحق أن يتبعوه، وعن نور الوحي أن يمشوا به، ما دام قد ظهر عليهم حب الكبر والظهور والرياء والعناد، فعاقبهم اللَّه بما انتكسوا وبما خضعوا لشهوات عقولهم ودنياهم، بأن أبقاهم في ورطة الشرك والضلال.

وقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}.

قال الفرّاء: (الميّت بالتشديد من لم يمت وسيموت، والمَيْتُ بالتخفيف من فارقته الروح، فلذلكَ لم تخفف هنا).

وأنشد أبو عمرو:

وتسألني تفسير ميت وميّت ... فدونكَ قد فسرت إن كنتَ تعقلُ

فمن كان ذا روع فذلكَ ميّتٌ ... وما الميتُ إلا من إلى القبرِ يحملُ

وعن قتادة قال: (نُعِيَتْ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسُه، ونُعِيت إليكم أنفُسكم).

قال القرطبي: (فاحتمل خمسة أوجه:

أحدها: أن يكون ذلكَ تحذيرًا من الآخرة.

الثاني: أن يذكره حثًا على العمل.

الثالث: أن يذكره توطئة للموت.

الرابع: لئلا يختلفوا في موتهِ كما اختلفت الأمم في غيره، حتى أن عمر رضي اللَّه عنه لما أنكر موته احتج أبو بكر رضي اللَّهُ عنه بهذه الآية فأمسك.

الخامس: ليعلمه أن اللَّه تعالى قد سوّى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره، لتكثر فيه السلوة وتقل فيه الحسرة).

وقال الشوكاني: (ووجه هذا الإخبار الإعلام للصحابة بأنه يموت. فقد كانَ بعضهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015