ونياتهم متباينة، لا يلقاه رجل إلا جزه واستخدمه، فهو يلقى منهم العناء والنصب والتعب العظيم، وهو مع ذلك كله لا يُرضي واحدًا منهم بخدمته، لكثرة الحقوق في رقبته، والذي يخدم واحدًا لا ينازعه فيه أحد. إذا أطاعه وحده عرف ذلك له، وإن أخطأ صفح عن خطئه، فأيهما أقل تعبًا، أو على هدى مستقيم). وقوله {مَثَلًا} صفة على التمييز، والمعنى هل تستوي صفتاهما وحالاهما. واقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس واللَّه تعالى أعلم.
وقد ورد نحو هذا المثل في السنة الصحيحة، فشبه عليه السلام من امتثل طاعة اللَّه وحده بالعامل أخذ الأجر كله آخر يومه وبمن تجاذبته الأهواء والوجهات فترك العمل بمنتصف النهار دون أن يكمل ويأخذ أجره.
فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي موسى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [مثل المسلمين واليهود والنصارى، كمثل رجلٍ استأجر قومًا يعملون له عملًا إلى الليل، فعملوا إلى نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عمِلنا لك، فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملًا، فأبوا وتركوه، فاستأجرَ أجراء بعدّهم، فقال: اعملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطتُ لهم من الأجر، فعملوا، حتى إذا كان حين صلاة العصرِ قالوا: لك ما عمِلنا، ولكَ الأجرُ الذي جعلت لنا فيه، فقال: أكملوا بقية عملكم، فإنما بقي من النهار شيءٌ يسيرٌ، فأبوا، فاستأجر قومًا أن يعملوا له بقيةَ يومِهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلكَ مثلُهم، ومثلُ ما قبلوا من هذا النور] (?).
وأما قوله: {رَجُلًا} فهو بدل من {مَثَلًا} منصوب مثله، أو هو منصوب بنزع الخافض والتقدير: ضرب اللَّه مثلًا برجل. وقوله: {مُتَشَاكِسُونَ} قال الفراء: أي مختلفون. وقال الرازي: (شُكْسٌ) بوزن (قُفْل) أي صَعْب الخُلُق، وفي قوله تعالى: {شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} قال: أي مختلفون عَسِرو الأخلاق. وهو من شَكسَ يَشكُسُ شُكسًا فهو شَكِسٌ مثل عَسُرَ يَعْسُرُ عُسْرًا فهو عَسِرْ. قال الزمخشري: (والتشاكس والتشاخس الاختلاف).