الأخلاق، يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة، لا يزال متحيرًا متوزع القلب، لا يدري أيهم يرضى بخدمته، وعلى أيهم يعتمد في حاجته {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أي: خلص ملكه له، لا يتجه إلا إلى جهته. ولا يسير إلا لخدمته، فَهَمُّهُ واحد، وقلبه مجتمع {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} أي: صفة وحالًا. أي في حسن الحال وراحة البال؟ كلا. وهكذا حال من يثبت آلهة شتى. لا يزال متحيرًا خائفًا لا يدري أيهم يعبد، وعلى ربوبية أيهم يعتمد. وحال من لم يعبد إلا إلهًا واحدًا. فَهمُّهُ واحد. ومقصده واحد. ناعم البال. خافض العيش والحال. والقصد أن توحيد المعبود فيه توحيد الوجهة ودرء الفرقة. كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 12]) انتهى.

وقد قرأ قراء مكة والبصرة: {ورجلًا سالمًا} أي خالصًا لرجل. فعن مجاهد عن ابن عباس: (أنه قرأها سالمًا لرجل، يعني بالألف وقال: ليس فيه لأحد شيء). وهي قراءة مشهورة رويت كما ذكرنا عن ابن عباس وغيره.

وأما قراء المدينة والكوفة فقرؤوها (سَلَمًا) أي صلحًا وهي بمعنى خلوصًا. وقرأها سعيد بن جبير وعكرمة (سِلْمًا) أي ذو سِلْم. والقراءة الأولى والثانية أشهر وإن كانت قراءة أهل المدينة أكثر شهرة، واختارها أبو حاتم وقال: (وهذا الذي لا تنازع فيه).

وعن مجاهد في قوله: {رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا} قال: (هذا مثل إله الباطل وإله الحق). وعن قتادة قال: (هذا المشرك تتنازعه الشياطين لا يقَرّبه بعضهم لبعض {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} قال: هو المؤمن أخلص الدعوة والعبادة).

وعن ابن عباس قال: (الشركاء المتشاكسون: الرجل الذي يعبد آلهة شتى، كلّ قوم يعبدون إلها يرضونه ويكفرون بما سواه من الآلهة، فضرب اللَّه هذا المثل وضرب لنفسه مثلًا يقول: رجل سَلِمَ لرجل. يقول: يعبدون إلهًا واحدًا لا يختلفون فيه).

وعن السُّدي قال: (مثل لأوثانهم التي كانوا يعبدون).

وقوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}. قال ابن جرير: (هل يستوي مثلُ هذا الذي يخدم جماعة شركاء سيئة أخلاقهم مختلفة فيه لخدمته مع منازعته شركاءه فيه، والذي يخدم واحدًا لا ينازعه فيه منازع إذا أطاعه عرف له موضع طاعته وأكرمه، وإذا أخطأ صفح له عن خطئه. يقول: فأي هذين أحسن حالًا وأروح جسمًا وأقل تعبًا ونصبًا).

وبنحوه ذكر القرطبي فقال: (هذا الذي يخدم جماعة شركاء، أخلاقهم مختلفة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015