التأويل الرابع: أن يبقى المعنى على العموم: أي أفمن يعاين العذاب كمن هو آمن في الجنة.
قال الزجاج: (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة). وقال الأخفش: (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب أفضل أم من سعد؟ مثل قوله: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}).
وقال ابن كثير: أفمن يواجه يوم القيامة أعظم العذاب كمن يكون في ذلك اليوم آمنًا منه؟ .
وقال النسفي: ({أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} كمن أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف في نظائره. قال: وسوء العذاب شدته، ومعناه أن الإنسان إذا لقي مخوفًا من المخاوف استقبله بيده وطلب أن يقي بها وجهه لأنه أعز أعضائه عليه، والذي يلقى في النار يلقئ مغلولة يداه إلى عنقه فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه الذي كان يتقي المخاوف بغيره وقاية له ومحاماة عليه).
قلت: وكلها تفاسير تدور حول المعنى الذي مفاده أن من كفر باللَّه ونعمه، واستكبر عن شكره سبحانه وحمده، وعن الخضوع والتذلل بين يديه معترفًا بعظمته، وجبروته وكبريائه الذي لا يليق إلا به، وضئع الوقت والعمر فيما يسخطه، وعاث في الأرض فسادًا يظلم ويسفك الدماء ويحارب اللَّه وأولياءه، فسوف يسحب في النار على وجهه إهانة له، إذ الوجه أكرم ما خلق اللَّه في الإنسان وفيه مركز الأوامر الخيرة والسيئة، ليذله اللَّه ويهينه يوم القيامة إذ آثر سَيِّئ القول والعمل، فهو يسحب في السلاسل يومئذ مكبلًا فيحاول الوجه صدّ العذاب واللهب وردّه دونما جدوى، فإن اليدين مكبلتان بما اجترحت في الدنيا من ظلم وآثام، كما قال جل ثناؤه في سورة الأحزاب: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}. وكقوله في سورة الأنبياء: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}. وكقوله في سورة القمر: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}. وكقوله في سورة الدخان: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}.
وفي جامع الترمذي بسند حسن عن عبد اللَّه بن عمرو، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [يحشر