الإيمان بهذا القرآن والتصديق بما فيه فيضله عنه فماله من موفِّق له ومسدد يسدده في اتباعه).

وجملة القول: أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وهو كتاب تخشع له جوارح المؤمنين به، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى تعظيمه، وامتثال أمره، وهذا من فضل اللَّه على أوليائه وتوفيقه.

وفي معجم الطبراني عن جبير، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [أبشروا، فإن هذا القرآن طرفهُ بيد اللَّه، وطرفهُ بايديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تهلكوا ولن تضِلوا بعده أبدًا] وسنده صحيح (?).

وقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} فيه أكثر من تأويل:

التأويل الأول: هو أن يرمى به في جهنم مكبوبًا على وجهه فذلك اتقاؤه إياه. قال عطاء: (يرُمى به مكتوفًا في النار فأول شيء تمسّ منه النار وجهه). وقال الشوكاني في "فتح القدير": (والمعنى: أفمن يقي نفسه بوجهه الذي هو أشرف أعضائه سوء العذاب يوم القيامة لكون يده قد صارت مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه شيء من ذلك ولا يحتاج إلى الاتقاء). وقال القاسمي: (أي فمن يجعل وجهه وقاية لشدة العذاب ذلك اليوم، أي قائمًا مقامها في أنه أول ما يمسه المؤلم له. لأن ما يتقى به هو اليدان، وهما مغلولتان. ولو لم تغلّا كان يدفع بهما عن الوجه لأنه أعز أعضائه. وقيل الاتقاء بالوجه كناية عن عدم ما يتقى به، لأن الوجه لا يتقى به).

التأويل الثاني: هو أن يجرّ على وجهه في النار. فعن مجاهد قال: (يجرّ على وجهه في النار). وفي رواية عنه قال: (يخرُّ على وجهه في النار، يقول: هو مثل {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: 40]).

التأويل الثالث: هو أن تغل يداه إلى عنقه ويرمى به في النار. قال مقاتل: (هو أن الكافر يرمى به في النار مغلولة يداه إلى عنقه، وفي عنقه صخرة عظيمة كالجبل العظيم من الكبريت، فتشتعل النار في الحجر وهو معلق في عنقه، فحرها ووهجها على وجهه، لا يطيق دفعها عن وجهه من أجل الأغلال) ذكره القرطبي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015