في ذلك، ولهذا فازوا بالرضا والمدح من اللَّه في الدارين بخلاف بعض الجماعات! ! الذين تذهب عقولهم ويغشى عليهم، إنما هذا في أهل البدع وهذا من الشيطان).

قلت: والبيان الإلهي يتسع لكل هذه الآفاق والمعاني التي يوصف بها المؤمنون المخبتون، الذين إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واقشعرت جلودهم واشتد خوفهم، فسارعوا إلى الخيرات وإلى ما ينجيهم من الأعمال الصالحات، فإذا ما مرّوا بآيات الرحمة لانت قلوبهم وفرحوا بما بشّرهم به ربهم، ولازَمَهم مع كل ذلك الورع، ولم يخرجوا من توازنهم واستقرارهم ووقارهم.

فقد أخرج النسائي في كتاب العلم عن الأعمش قال: (بلغني عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير أنه قال: فضل العلم أحب إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع). وقد ثبت هذا مرفوعًا من حديث ابن عمر وحذيفة أخرجه الطبراني.

وقد ساق القرطبي أثرًا عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي قال: (مرّ ابن عمر برجل من أهل القرآن ساقطًا فقال: ما بال هذا؟ قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر اللَّه سقط. فقال ابن عمر: إنا لنخشى اللَّه وما نسقط).

ثم ساق أثرًا آخر عن عمر بن عبد العزيز قال: (ذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن، فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطًا رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق).

وقوله: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}. وفي قوله {ذَلِكَ} قولان:

القول الأول: ذلك هدى اللَّه أي القرآن. قال النسفي: ({ذَلِكَ} إشارة إلى الكتاب).

القول الثاني: أي ذلك الذي وهبه اللَّه لأوليائه من الخشوع والرقة والقشعريرة ولين القلوب هو هدى اللَّه.

قال ابن جرير: (هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم ثم لينها ولين قلوبهم إلى ذكر اللَّه من بعد ذلك {هُدَى اللَّهِ} يعني توفيق اللَّه إياهم وَفَّقَهم له {يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} يقول: يهدي تبارك وتعالى بالقرآن من يشاء من عباده {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} قال: ومن يخذله اللَّه عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015