بل هو محتاج إلى معانيها وإلى بركتها في كل وقت وحين، فإياك نعبد يا ربنا وإياك نستعين على غرائزنا وشهواتنا ألا تشغلنا عن ذكرك ومنهجك.
وقوله: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. أصل القشعريرة في كلام العرب من الاضطراب والحركة. يقال: اقشعر جلده: إذا تقبض وتجمع من الخوف. فهي تضطرب وتتحرك خوفًا من الوعيد المذكور في القرآن، ومعايشة لهول الموقف وشدته على أهل الهزل والعصيان، ورجاء باللَّه العظيم أن يمنّ بالمغفرة ونيل الجنان.
وأما قوله: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ففيه أقوال:
القول الأول: أي ثم تلين عند سماع آيات الرحمة. قال النسفي: (أي إذا ذكرت آيات الرحمة لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة).
القول الثاني: أي ثم تلين إلى العمل والمسارعة بالخيرات. قال القاسمي: (أي بالانقياد والطاعة والسكينة لأمره). وهو اختيار ابن جرير.
القول الثالث: أي تقشعر ثم تلين راجية رحمة اللَّه أن تغمرها في الدنيا والآخرة.
فعن قتادة قال: (هذا نعت أولياء اللَّه نعتهم بأنها تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم إلى ذى اللَّه، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما ذلك في أهل البدع وهو من الشيطان). ذكره الشوكاني.
وأفاد ذلك الحافظ ابن كثير بقوله: (فهم مخالفون لغيرهم من الفجّار من وجوه:
أحدها: أنّ سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات.
الثاني: أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خرّوا سجدًا وبُكيًا بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73]. أي إنما يعملون بها ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل وتقليد أعمى ومتابعة لغيرهم.
الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها كما كان الصحابة رضي اللَّه عنهم يسمعونها وتقشعر جلودهم وتلين قلوبهم إلى ذكر اللَّه، ولم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون ما ليس فيهم بل عندهم من الأدب والسكون والخشية ما لا يلحقهم أحد