فهو لا يُمَلّ. وإليك تفصيل ما ذكر من أقوال:
القول الأول: أي تثنى فيه الفرائض والأحكام. فعن قتادة قال: (ثنى اللَّه فيه الفرائض والقضاء والحدود).
القول الثاني: أي تثنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء. فعن الحسن قوله: (ثنى اللَّه فيه القضاء، تكون السورة فيها الآية في سورة أخرى آية تشبهها). قال ابن جرير: (تُثْنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج).
القول الثالث: أي يثنى فيه الأمر فيذكر مرارًا لأهميته. فعن ابن عباس قال: (كتاب اللَّه مثاني، تثنى فيه الأمر مرارًا). وقال ابن زيد: (مردّد، رُدِّد موسى في القرآن، وصالح وهود والأنبياء في أمكنة كثيرة).
القول الرابع: يثنى الأمر فيذكَرُ وَضِدُّه. فعن سفيان بن عيينة قال: (إن سياقات القرآن تارة تكون في معنى واحد، فهذان من المتشابه، وتارة تكون بذكر الشيء وضده كذكر المؤمنين ثم الكافرين وكصفة الجنة ثم صفة النار وما أشبه هذا. . . فهذا من المثاني كقوله تعالى {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الإنفطار: 13 - 14]. وأما إذا كان السياق كلّه في معنى واحد يشبه بعضه بعضًا فهو المتشابه، وليس هذا من المتشابه المذكور في قوله تعالى {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] ذاك معنى آخر).
وذكر الشوكاني عن الرازي في تبيين مثاني: (أن أكثر الأشياء المذكورة في القرآن متكررة زوجين زوجين مثل الأمر والنهي والعام والخاص والمجمل والمفضل وأحوال السماوات والأرض والجنة والنار والنور والظلمة. . .).
القول الخامس: أي يثنى في التلاوة فلا يُمَلّ. ذكره النسفي وغيره. قال الشوكاني: (وقيل يثنى في التلاوة فلا يمل سامعه ولا يسام قارئه).
قلت: والقرآن موصوف بكل هذه الصفات العليا والنعوت الحسنى، فقد تكررت فيه الأنباء والأخبار والمواعظ والحكم والأمثال والمقارنة بين الضّدين والحالين ولكن ذلك كله يمضي في بيان رفيع، فما أجْمِلَ في موضع فُصِّل في موضع آخر، وما نبههَ إلى أهميته في موضع نُبِّهَ إلى جانب آخر في موضع آخر، ومن سموّ إعجازه وروعته أن سامعه لا يملُّه وأنه يثنى في التلاوة ولا تشبع منه القلوب، فهذه فاتحة الكتاب سميت بالسبع المثاني فهي تثنى وتكرر كل يوم في كل صلاة عشرات المرات ولا يملها القلب