مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}: أي من قبول ذكره لشدة ميلها إلى اللذات البدنية، وإعراضها عن الكمالات القدسية. قال: فـ "مِنْ" للتعليل والسببية). قال الفراء: (أي عن ذكر اللَّه كما تقول أتخمت عن طعام أكلته ومن طعام أكلته).

قلت: وجملة القول أن الويل لمن لا تلين قلوبهم عند ذكر اللَّه ولا تتعلق بالحق ولا تخشع، ولا تعي معنى الأمن في الآخرة ولا تفهم ولا تريد أن تسمع، ومن هنا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستعيذ باللَّه من ثلاث -كما أخرج الإمام أحمد من حديث أنس- عنه ويقول: [اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، وعملٍ لا يُرْفَع، ودعاءٍ لا يُسمع] (?). وله شاهد عند الترمذي عن عبد اللَّه بن عمرو ولفظه: [اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يُسمع، ومن نفس لا تَشْبع، ومن علمِ لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع] (?). وأصله في صحيح الإمام مسلم من حديث زيد بن أرقم ولفظه: [اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجُبنِ والبُخل، والهرم وعذاب القبر، وفتنة الدجال، اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنتَ وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها] (?).

وفي الأثر عن مالك بن دينار قال: (ما ضُرِبَ عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب اللَّه على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم).

وقد أخرج الدارمي بسند حسن عن قتادة قال: [قالت بنو إسرائيل: يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض فكيف لنا أن نعرف رضاك من غضبك؟ قال: إذا رضيت عنكم استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم]. فنعوذ باللَّه من قسوة القلب، ومن أن يُسلط سبحانه على الأمة عتاة القلوب وأهل الجفاء والقسوة ومن لا يخاف اللَّه ولا يخشع.

وقوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}. المراد القرآن الكريم، يشبه بعضه بعضًا ويصدق بعضه بعضًا فلا اختلاف فيه ولا تضاد، وما اشتبه في موضع رُدّ علمه إلى المحكم في موضع آخر، فهو كله حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015