وأرز ونحو ذلك من الأنواع المختلفة {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} يقول: ثم ييبسُ ذلك الزرع من بعد خُضرته، يقال للأرض إذا يبس ما فيها من الخضر وذوى: هاجت الأرض وهاج الزرع). وقال الأصمعي: (يقال هاجت الأرض تهيج إذا أدبر نبتها وولى). وأرض هائجة إذا يبِسَ نبتُها أو اصفر. قال الرازي: (هاجَ الشيء ثار) والهيجاء الحرب، وهاج هائجه أي ثار غضبه. {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا}. أى: فتاتًا متكسرًا من قولك تحطم العود إذا تفتت وتكسر من اليبس {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}. وفي هذا التمثيل ذهب أهل التفسير إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: المعنى أن من فعل هذا قدر على الإعادة والبعث يوم القيامة. ذكره القرطبي.
القول الثاني: هو مثل ضربه اللَّه للدنيا، فكما يصفر النبت الأخضر وييبس فكذلك الدنيا بعد بهجتها.
قال الحافظ ابن كثير: ({إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي الذين يتذكرون فيتعظون بأن الدنيا هكذا، تكون خضراء حسناء، ثم تعود عجوزًا شوهاء، والشاب يعود شيخًا ضعيفًا ثم يموت، فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير).
القول الثالث: هو مثل ضربه اللَّه للقرآن ينمو ويزهر في صدور المؤمنين.
قال الشوكاني في فتح القدير: (والمعنى: أنزل من السماء قرآنًا فسلكه في قلوب المؤمنين، ثم يخرج به دينًا بعضه أفضل من بعض، فأما المؤمن فيزداد إيمانًا ويقينًا، وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع).
قلت: وكلها أقوال متقاربة يحتملها المجاز والإعجاز، فإن من قدر على إنزال الماء وتحريك البذور به لتخرج ثمارًا وأزهارًا ثم تصفر وتيبس ثم تتفتت، قادر على إحياء العظام وقد صارت رميمًا مبعثرة، فيجمعها وهو خالقها وقد علم كيفية تبعثرها فقال في سورة (ق): {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ}، ثم إنه كثيرًا ما يضرب اللَّه مثل الحياة الدنيا بالزرع الذي يكون ناضرًا ثم يتحول حطامًا كما جاء في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}. وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن سهل بن سعد، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لو كانت الدنيا تَعْدِل عند اللَّه جناحَ بعوضة،