ما سقى كافرًا منها شَربة ماء] (?). وخرّج أيضًا عن عبد اللَّه مرفوعًا: [مالي وللدنيا؟ ما أنا والدنيا؟ ! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظلَّ تحت شجرة ثم راح وتركها] (?). وسببه كما قال ابن مسعود: (اضطجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه، فقلت: يا رسول اللَّه ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئًا؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فذكره)).

ولفظ ابن حبّان عن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا نبيَّ اللَّه لو اتخذت فراشًا أوثر من هذا؟ فقال: [مالي وللدنيا؟ ! ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها]. ثم إن القرآن في ازدهاره في قلوب المؤمنين وإحياء قلوبهم كمثل الغيث ينزل في الأرض الميتة فيحييها كما قال جل ثناؤه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122] فإن الوحي حياة ونور. وفي الصحيحين والمسند عن أبي موسى، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، كمثل الأترجَّة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثلُ المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، كمثل التمرةِ، لا ريح لها وطعمها حلوٌ، ومثلُ المنافق الذي يقرأ القرآن، كمثل الريحانة، ريحُها طيب وطعمها مرّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مرّ] (?). وعند البخاري عن أبي موسى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا فكان منها نقيةٌ قبلتِ الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفةً أخرى إنما هي قيعان، لا تمسكُ ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثلُ مَنْ فَقُهَ في دين اللَّه ونفعه ما بعثني اللَّه به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى اللَّه الذي أرسلت به] (?).

فسبحان من أحيا القلوب فآمنت به وجاهد أهلها في سبيله، وسبحان من جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة ثم موتًا ثم بعثًا ونشورًا وحسابًا ومعادًا، فريق في الجنة، وفريق في السعير {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015