ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}. وقد نزلت هذه السورة في حياة أبي لهب يُعْلِمُ اللَّه فيها الأمة جميعًا بأن أبا لهب سيخرج من الدنيا كافرًا ولم يجبره أحد على هذا الاختيار وإنما هو علم اللَّه المطلق وحكمته وعدله. وبناء على هذا يُفَسَّرُ حديث الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن عبد اللَّه بن عمرو قال: [خرج علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قال: قلنا لا إلا أن تُخْبرنا يا رسول اللَّه. قال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رِبّ العالمين تبارك وتعالى بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أُجْمِلَ على آخرهم لا يُزاد فيهم ولا يُنْقصُ منهم أبدًا. ثم قال للذي في يساره هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أُجْمِل على آخرِهم، لا يزادُ فيهم ولا يُنْقَص منهم أبدًا. فقال أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فَلأيّ شيءٍ إذنْ نَعْمَلُ إن كان هذا أمرًا قد فُرخ منه؟ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: سدِّدوا وقاربوا فإن صاحِبَ الجنة يُخْتَم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإنّ صاحبَ النار ليُخْتَمُ له بعمل أهل النار وإن عمل أيَّ عمل. ثم قال بيده فقبضها ثم قال: فرغ ربكم عزَّ وجل من العباد ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال: فريق في الجنة، ونبذ باليسرى فقال: فريق في السعير] (?).

وأما تكرار الإستفهام في الآية بقوله {أَفَأَنْتَ} فهو يستخدم للتأكيد عند طول الكلام، كما قال جل ثناؤه في سورة المؤمنون: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}، فَردَّدَ أنكم مرتين للتأكيد وهو أسلوب تستعمله العرب عند التطويل كما ذكر سيبويه. ونحوه قوله في سورة آل عمران: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. فالمراد بآية الزمر استفهام واحد فيسبق الاستفهام، ثم يرد الاستفهام إلى موضعه حيث الحاجة إليه كان التقدير: (أفانت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب في النار). ومنهم من جوَّز في الكلام محذوفًا والتقدير: (أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه) وما بعده مستأنف، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015