مناديهم ينادي في جوّ السماء، صفُّهم في القتال وصفّهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دويٌّ كدوي النحل].

فلقد سمعوا من نبيّهم صلوات اللَّه وسلامه عليه قوله: [إن اللَّه يحبّ معاليَ الأخلاق ويكره سَفْسَافها] (?).

وقوله: [إن اللَّه تعالى يحبّ معاليَ الأمور وأشرافها، ويكره سَفْسَافها]، فتعلقت قلوبهم بالمعالي وأشراف وعظام الأمور.

وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}. أي: فهم الذين علم اللَّه صدق قلوبهم فهداهم هداية التوفيق والإلهام بعد هداية الدلالة والإرشاد، وهم أصحاب العقول وأولو النهى.

وقوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}. قال قتادة: ({أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} بكفره). قلت: وهذه الآية كقوله في سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. قال ابن عباس: (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره اللَّه تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من اللَّه السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من اللَّه الشقاوة في الذكر الأول). وهي كقوله أيضًا في سورة يونس: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}.

قال ابن جرير: (أفمن وجبت عليه عليه العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره). والمراد من تخلف عن الإيمان من أقاربه عليه الصلاة والسلام كما قال ابن عباس: (يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإيمان).

قلت: وهذه الآية من أصول الإيمان بالقدر، فإن أصوله ثلاثة:

أولًا: الإيمان بعلم اللَّه المطلق.

ثانيًا: الإيمان بالحكمة البالغة الكاملة للَّه جل ثناؤه.

ثالثًا: الإيمان واليقين بصفة العدل للَّه. وعلى هذا يفسر هذا التحدّي من اللَّه لأبي لهب بقوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015