هو خبر من اللَّه سبحانه عن أهل السعادة وما أُعِدَّ لاستقبالهم وما هُيِّئَ لإتحافهم، بعد أن ذكر سبحانه وأخبر عن حال الأشقياء الذين ستسوء منازلهم وسيلقون ما يزعجهم. أما هؤلاء فهم سكان الغرف الخاصة وهي القصور في الجنة التي تتداخل فيها طباق مبنيّات محكمات مزخرفات بعضها فوق بعض تطل على أنهار جميلة تسلك عبر الأشجار والثمار والخضرة والأزهار، وما فيها من ألوان فتانة تُفرح القلوب وتزيد في الحال جمالًا وسحرًا. فعن ابن عباس (قوله {غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} قال: من زبرجد وياقوت).

قال الشوكاني رحمه اللَّه: (وذلك لأن الجنة درجات بعضها فوق بعض، ومعنى {مَبْنِيَّةٌ} أنها مبنية بناء المنازل في إحكام أساسها وقوة بنائها وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي من تحت تلك الغرف، وفي ذلك كمال لبهجتها وزيادة لرونقها).

وقال ابن القيم رحمه اللَّه: (أخبر أنها غرف فوق غرف، وأنها مبنية بناء حقيقة، لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل، وأنه ليس هناك بناء. بل تتصور النفوس غرفًا مبنية كالعلالي، بعضها فوق بعض، حتى كأنه ينظر إليها عيانًا. ومبنية صفة للغرف الأولى والثانية، أي لهم منازل مرتفعة وفوقها منازل أرفع منها). ثم قال في قوله تعالى في سورة الفرقان: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} قال: (الغرفة جنس كالجنة. وتأمل كيف جعل جزاءهم على هذه الأقوال المتضمنة للخضوع والذل والاستكانة للَّه، الغرفة والتحية والسلام، في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم، فبدَّلوا بذلك سلام اللَّه وملائكته عليهم).

قلت: وبنحو هذه الآية قوله تعالى في سورة سبأ: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}.

وفي الصحيحين عن أبي سعيد مرفوعًا: [إن أهلَ الجنة يتراءَون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءَون الكوكب الدُّريَّ الغابِرَ في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول اللَّه! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا باللَّه وصدقوا المرسلين] (?). ولفظه من طريق سهل بن سعد: [إن أهل الجنة ليتراءَون أهلَ الغرف في الجنة كما تراءَوْن الكواكب في السماء].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015