لا تضاد، بل تدور كلها حول قول الفصل والسداد من أن الذين بنوا إيمانهم وصروح يقينهم ودينهم على ركام الباطل والطاغوت، فسمت نفوسهم بكبرياء الإيمان والاعتزاز باللَّه، فندموا على ما فرطوا في جاهليتهم وفي لحظات ضعفهم، فشمخوا بالمعالي وحدثتهم نفوسهم بالجهاد، فإذا جاءهم الأمر من اللَّه سارعوا إلى امتثاله وتسجيل أعلى الأرقام في إتياف وبلوغه، وإذا خُيّروا بين الأمور العظام رأيتهم يتسابقون إلى أشدّها وما فيها إرضاء للَّه أعلى وأكبر، وإغاظة لعدوه وعدوهم أكثر وأوفر، ولو خيّروا بين الرخص والعزائم حدثتهم نفوسهم باختيار العزائم ولكن حبّ اللَّه لرخصه أنزلهم عند ما أحبّه ربهم واختاره، وإذا سمعوا لغوًا أعرضوا عنه، وإذا كان نصيحة سارعوا إليها، وإذا كان أمرًا في الدين تخيروا أثبته وأقواه وأدقهُ صوابًا وصحة وثبوتًا، وإذا خيرّوا بين العفو والقصاص رأيتهم رحماء كرماء يحبون العفو ليعفو اللَّه عنهم كما وصفهم ربهم بقوله في سورة آل عمران: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. وبقوله في سورة الشورى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. وهذه الصفات العالية لأصحاب وأتباع هذا النبي الكريم مبسوطة في القرآن والتوراة والإنجيل: فقد أخرج البخاري عن عطاء بن يسار قال: [لقيت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. قلت: أخبرني عن صفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في التوراة، قال: أجل، واللَّه إنه لموصوف ببعض صفته في القرآن: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}، وحِرْزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سَمَّيْتُكَ المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولنْ يقْبِضَهُ اللَّه حتى يقيمَ به الملةَ العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا اللَّه، ويفتح بها أعينًا عمْيًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غُلْفًا] (?).

وله شاهد عند الدارمي -وفي المشكاة- وهذا لفظ المصابيح: عن كعب يحكي عن التوراة قال: [نجد مكتوبًا محمدٌ رسول اللَّه عبدي المختار، لا فظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام، وأمته الحمادون، يحمدون اللَّه في السراء والضراء، يحمدون اللَّه في كل منزلة، ويكَبرونه على كل شرف، رعاةٌ للشمس، يصلون الصلاة إذا جاء وقتها، يتأزّرون على أنصافهم، ويتوضؤون على أطرافهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015