{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} قال: والمعنى: يستمعون القول الحق من كتاب اللَّه وسنة رسوله فيتبعون أحسنه أي محكمه ويعملون به).

التأويل السادس: قيل يستمعون الرخص والعزائم فيتبعون العزائم ويتركون الرخص. قال القرطبي: (وقيل يستمعون عزمًا وترخيصًا فيأخذون بالعزم دون الترخيص).

التأويل السابع: قيل يستمعون العقوبة الواجبة لهم والعفو فيأخذون بالعفو. قال القاسمي: (أي إيثارًا للأفضل واهتمامًا بأكمل. قال: ويدخل تحته أيضًا إيثار الأفضل من كل نوعين، اعترضا. كالواجب مع الندب. والعفو مع القصاص. والإخفاء مع الإبداء في الصدقة، وهكذا).

التأويل الثامن: قيل المراد النقد في الدين لتختر ما هو أصوب وأصح وأكمل. قال الزمخشري: (أراد أن يكونوا نقادًا في الدين، يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل. ويدخل تحته المذاهب واختيار أثبتها على السبك وأقواها عند السبر، وأبينها دليلًا وأمارة. وأن لا تكون في مذهبك كما قال القائل:

ولا تكن مِثْلَ عَيْرٍ قِيدَ فانقادا

يريد المقلد) انتهى. قلت: وإنما البيت بأكمله يدل على المعنى فأصله:

شَمِّرْ وكن في أمور الدِّين مجتهدًا ... ولا تكن مِثْلَ عَيْرٍ قيدَ فانْقادا

التأويل التاسع: قيل: إن أحسن القول على من جعل الآية فيمن وَحَّدَ اللَّه قبل الإسلام (لا إله إلا اللَّه). قال عبد الرحمن بن زيد: ({وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا. . .} الآيتين. حدثني أبي أن هاتين الآيتين نزلتا في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا اللَّه: زيد بن عمر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، نزل فيهم {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} في جاهليتهم {وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} لا إله إلا اللَّه، أولئك الذين هداهم اللَّه بغير كتاب ولا نبي {وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}) ذكره ابن جرير في التفسير. أي اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم واتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم، فآمنوا بمحمد صلوات اللَّه وسلامه عليه يوم بُعثَ فيهم.

قلت: وكلها تأويلات يحتملها البيان الإلهي والإعجاز، وفيها الآثار الطيبة العطرة من أهل التفسير والعمل والعلم والاجتهاد والإنجاز، وما هي إلا اختلافات تنوع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015