وكذلك خرّج الإمام مسلم عن أنس قوله عليه الصلاة والسلام: [أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعًا] (?).

وفي لفظ آخر: [أنا أول شفيع في الجنة، لمْ يصدقْ نبيٌّ من الأنبياء ما صدقتُ، وإنّ منَ الأنبياء نبيًا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد].

وله شاهد فيِ مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي بسند صحيح عن أنس ولفظه: [أنا أوَّلُ مَنْ يأخُذُ بِحَلقَةِ باب الجنة أقعقِعُها] (?). أي أحركها.

فقد أمره اللَّه بهذا السبق لتظهر علائم نبوته وملامح قيادته ومعالم صدارته، وليتألق بإخلاصِه الذي لا يشبهه إخلاص في الأمة فهو أتم وأكمل في الشرف والرتبة. ثم إنه كان أول من أسلم للَّه في زمانه. فجمعت الآية معنيين: الأول: وهو السبق الزماني، والثاني: هو السبق النوعي. فصلوات اللَّه وسلامه عليه.

وأما اللام في قوله {لِأَنْ} فلها وجهان:

الوجه الأول: أنها زائدة كما قال الجرجاني وغيره. كقوله في سورة الأنعام: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

والوجه الثاني: أنها لام أجل والتقدير (لأجل أن أكون أولَ المسلمين). وكأن محذوفًا في الآية تقديره: (قل إني أمرت بالعبادة والطاعة والمسارعة في الخيرات من أجل أن أكون أول المسلمين). واللَّه تعالى أعلم.

وقوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. قيل: قالها لقومه حين دعوه للتمسك بدين الآباء والأجداد.

قال النسفي: (وذلك أن كفار قريش قالوا له عليه السلام: ألا تنظر إلى أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فنزلت ردًّا عليهم).

قلت: والتوجيه في الآية هو للأمة من بعده، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لن يَعْصِيَ اللَّه ولن يشرك به فقد أعانه اللَّه على الحق وعصمه من الفتن، فيكون الخطاب للأمة من باب أولى كي تخاف عذاب اللَّه يوم القيامة وتجتنب ما يسخطه سبحانه. كما قال جل ثناؤه: {لَيْسَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015