فيحاسبهم على ما اجترحوا من الموبقات والكبائر والمعاصي والسيئات، بلى فإن أهل البصائر والعقول يؤمنون ويوقنون بهذه المغيبات. فإلى تفصيل ذلك.
قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}. أي فلا ألتفت إلى غيره، ولا أرجو فرجًا إلا من عنده، ولا أصرف طاعة إلا إليه. كما أخرج النسائي بإسناد جيد عن أبي أمامة قال: [جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمسُ الأجرَ والذكر مالَهُ؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا شيء له)، فأعادها ثلاث مِرار، ويقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا شيء له). ثم قال: إن اللَّه عز وجل لا يَقبلُ من العمل إلا ما كان له خالصًا وابْتُغِيَ به وجهُه] (?).
وفي معجم الطبراني بإسناد صحيح عن أبي الدرداء عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [الدنيا ملعونة، ملعونٌ ما فيها إلا ما ابتغي به وجهُ اللَّه] (?).
والآية أصل فر أن الإخلاص شق العمل الصالح، كما قال جل ثناؤه في سورة البينة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، وكما قال في سورة الكهف: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. فإن كون العمل صالحًا موافقًا للوحي هو الشق الثاني لحصول القبول.
وقوله: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}. أي من هذه الأمة. قال القرطبي: (وكذلك كان، فإنه أول من خالف دين آبائه وخلع الأصنام وحطمها، وأسلم للَّه وآمن به، ودعا إليه -صلى اللَّه عليه وسلم-). أي لأكون في مقدمة المخبتين المسلمين في الدنيا والآخرة، وكون قدوة المسارعين إلى الخيرات، وإمام المتقين الراجين للرحمات والمبرّات.
قلت: وهو كذلك في الدنيا والآخرة، فقد خرّج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [أنا أكثر الأنبياء تبعًا يومَ القيامة، وأنا أول من يقرعُ بابَ الجنة] (?).