ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)}
في هذه الآيات: يخاطب اللَّه سبحانه نبيّه عليه الصلاة والسلام أن قل لقومك يا محمد! إن اللَّه أمرني أن أفْردَ له العبادة والتعظيم دونَ كل ما تدعون من دونه من الآلهة والأوثان. وأمرني بذلك أن أكون بهذا الامتثال أول من أسلم وأخبت وسارع بالخيرات، وبادر إلى التوحيد والإيمان والطاعات، فإني أخاف إن قصرت أو انسحبت وركنت إلى الدنيا ومعاصيها أهوال يوم القيامة وما فيه من الندامة والحسرات، فهو الرحمان إليه أخلص في الأعمال الصالحات، فاختاروا أنتم لمستقبلكم ما شئتم من دونه تصرفون له القربات، فإن من خَسِرَ نفسه وأهله يوم القيامة فقد ازدحمت عليه الآلام والحسرات، فإن لهيب النار يعلوهم من فوقهم كما يستفزهم من تحتهم فتنبهوا وخافوا اللَّه قبل أن تعاينوا ذلك المصير وتلك المصائب والنازلات، فمن كفر بالطاغوت وآمن باللَّه واليوم الآخر والرسل والكتب والقدر والملائكة وصدّق بمحمد الذي ختم اللَّه به الرسالات، واتبع منهاجه ودعا إلى هديه وسيرته أحسن السير وأصدق الدعوات، فهنيئًا له فقد هداه اللَّه وحماه من سبل الشياطين وطرق الضلالات، لكن من علم اللَّه منه حبّ الكبر والعناد فقد كتب عليه مستقبل أهل الشقاء والغوايات، عدلًا منه سبحانه وحكمة وعلمًا، في حين اختار جل وعزَّ للمؤمنين المتقين أجمل الغرف في الجنات، فقد بناها لهم في أروع صورة تجري من تحتها الأنهار والينابيع والبحيرات، أوليس الذي أنزل من السماء الماء فخزّنه في باطن الأرض فجعله عيونًا وينابيع وأنهارًا، يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه وأُكُله، ثم ييبس من بعد خضرته ثم يتفتت متكسرًا، ثم يعود مرة أخرى في دورة ثانية من تلك الدورات، بقادرٍ على أن يبعث عباده من قبورهم بعدما أماتهم وصاروا في باطن الأرض كالذرات المبعثرات،