خلصت عقولهم عن قشر التخيل والوهم ورسخت بالعلمِ واليقينِ والخوف من اللَّه.
وقوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
أي: قل يا محمد لمن تبعك من المؤمنين اثبتوا على الحق والتقوى وتعظيم اللَّه وحده، فمن أحسن بالطاعةِ أحسنَ اللَّه إليهِ في الدنيا وبالثواب والنعيم والجنةِ يوم القيامةِ. ثم إنهُ لا عذر لأحدٍ بالنفاق أو الكفر فأرضُ اللَّهِ واسعةٌ فهَاجروا فيها إلى حيثُ تأمنونَ فيه على دينكم وتنعمون فيه بطاعة ربكم، فإنما جزاء هذا الاغتراب في الدنيا من أجل الحق سبحانه وُفُور الأجر في الآخرةِ والنجاة من هول الحساب في عرصات القيامة.
فعن السُّدي: ({لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} قال: العافية والصحة). وهذا على من حمل الحسنة على الدنيا. قال القرطبي: (يعني بالحسنة الأولى الطاعة وبالثانية الثواب في الجنة). وهذا على من حمل الحسنة الثانية على نعيم الآخرة.
قلت: والآية تشمل المعنيين معًا فقد وعد اللَّه المؤمنين حياة طيبة في الدنيا وأطيب منها في الآخرة، فقال جل ثناؤه في سورة النحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وقال في سورة الأنفال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. فتفضل اللَّه سبحانه على المؤمنين بحياة طيبة في الدنيا فيها الصحة والعافية والظفر والغنيمة والثناء الحسن، وبحياة أطيب في الآخرة فيها ما لذّ وطاب من الطعام والشراب والنساء والزينة والسرور وألوان الرضوان والنعيم، لتكون نورًا على نور وزيادة في البهجة والسرور، فإن أعطى اللَّه الكافر بعض الخير في الدنيا فإن المؤمن قد امتاز عليه في الدنيا والآخرة، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون.
خرّج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إن اللَّه لا يظلم مؤمنًا حسنته، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها للَّه في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها] (?).
وقوله: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} يعني: أنه لا يرضى سبحانه من أحد أن يشرك به أو ينافق