الدقيقةِ سواء في الطب أو الهندسةِ أو الكيماء أو الفيزياء أو الرياضيات أو الجيولوجيا وغير ذلكَ ونسوا أن خشية اللَّه هي شرط لازم لإطلاق هذه الكلمة. فكم من عالمٍ في نظر الناس أسهم في حرق المدن وتدميرها وقتل الناس وتشريدهم، وكم من عالم في نظر كثير من الناس كان سببًا في فِتَنٍ كثيرة وآلام مستطيرةٍ وأمراضٍ انتقلت عبر الأجيال، وكم من طبيب مجرم في حق الناسِ يعيش لرغباتهِ وليرتفع على أكتاف الناسِ ولو بالغش والخداع، وقد رأيت أيام التخصص في أمريكا أساتذة جامعات ضبطُوا -في ولاية آركنساس- وهم يفتعلون الفاحشة فيما بينهم جانب إحدى البحيرات، وشوهد عالم الفيزياء الهندي في مكتبهِ -في جامعة ولاية أوكلاهوما- وقد ضرب رأسه بالرصاص وسقط صريعًا، كما شوهد أحد الدكاترة يُتاجر بالعلم ويخدعُ بعض طالباتهِ بوضع العلامات العالية مقابل أن يزني بهن، إلى غير ما هنالك من الحوادث التي تشير إلى أنّ استخدام كلمة (العالم) اليوم أصبحَ يحتاج إلى تحقيق وتمحيص. وإنما الإسلام وحده الذي عرّف العالم فقال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. وقال هنا في سورة الزمر: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. فكان العالمُ في نظر الإسلام في أي مجال أو مهنة هو ذاكَ الذي ارتبط علمهُ بخشية اللَّه، فبين العلم وبين الخوف من اللَّه صلة من النسب لا تنفك ولا تنفصلُ عنه.

ولقد أعجبني ما ذكره القاسمي رحمه اللَّه في تفسيره عن القاشانيّ حيث قال: (وإنما كان المطيع هو العالم، لأن العلم هو الذي رسخَ في القلبِ وتأصّل بعروقه في النفس، بحيث لا يمكن صاحبه مخالفته، بل سيط باللحم والدم، فظهر أثره في الأعضاء، لا ينفك شيء منها عن مقتضاهُ، وأما المرتسم في حيز التخيل، بحيث يمكن ذهول النفس عنهُ وعن مقتضاهُ فليس بعلم).

وما ذكره النسفي عند هذه الآية نظير ما قبله حيث قال: ({هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أي يعلمون ويعملون به، كأنه جعل من لا يعمل غير عالم، وفيه ازدراء عظيم بالذين يَقْتَنُون العلوم ثم لا يَقنُتون، وَيَفْتَنّون فيها ثم يفتنون بالدنيا، فهم عند اللَّه جهلة حيث جعل القانتين هم العلماء. أو أريد به التشبيه أي كما لا يستوي العالم والجاهل كذلكَ لا يستوي المطيع والعاصي).

وقوله: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. أي: إنما يعتبر ويعي حجج اللَّه وآفاق كلامهِ أهل العقول والحجا فيتعظون ويتدبرون ويعملون لا أهل الجهل والتخبط والعجب بالرأي أو الفلسفة والكلام. فأولو الألباب هم أصحابُ العقول من المؤمنين الذين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015