الإنسان يعمل بالمعاصي ثم يتمنى على اللَّه المغفرة). وكل ذلكَ من الشيطان فهو في التفسير الآخر عن ابن عباس: (الغرور: الشيطان).
لقد أفرز قيام الليل رجالًا حول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رقت قلوبهم للَّه وأخبتوا له، فأورثهم بذلكَ سبحانهُ قوة أُضيفَتْ إلى قوةِ سلاحهم، فحملوا بها على أكبر معاقل الكفرِ في الأرضِ فدكوها، دكوا معقلي فارس والروم، ثم تراهم بعد ذلك مشفقين متذللين يخافون عذاب الآخرةِ ويأملونَ عند الموت بمغفرة اللَّه وعفوهِ وكرمه.
فقد أخرج الترمذي بسند حسن عن أنس: [أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على شاب وهو بالموت فقال: كيف تجدكَ؟ قال: واللَّهِ يا رسول اللَّه إني أرجو اللَّه وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يجتمعانِ في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاهُ اللَّه ما يرجو وأَمَّنَهُ مما يخاف] (?).
قال النسفي في تفسيره: (ودلت الآيةُ على أن المؤمن يجب أن يكونَ بين الخوف والرجاء، يرجو رحمته لا عملهُ، ويحذرُ عقابهُ لتقصيرهِ في عمله، ثمَ الرجاء إذا جاوز حدّه يكونُ أمنًا، والخوفُ إذا جاوزَ حدّه يكونُ إياسًا، وقد قال اللَّهُ تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، وقال: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، فيجب ألا يجاوز أحدهما حده).
وقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. فصرف العلم الحقيقي إلى العلمِ الذي يؤصل الحذر من الآخرةِ ويرسخ الرجاء لرحمته سبحانهُ، فأولئكَ الذين وصفهم بالعلم كما قال جل ثناؤهُ في سورة فاطر: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. وعن قتادة: (كان يقال كفى بالرَّهبةِ علمًا). وقال مجاهد: (إن العالم من خشي اللَّه عز وجل). وقال وهب بن مالك: (إن العلم ليس بكثرة الرواية وإنما العلم نور يجعله اللَّه في القلب).
وقد خرّج النسائي في كتاب العلم عن مسروق: (بحسب المرء من العلم أن يخشى اللَّه، وبحسبه جهلًا أن يعجب بعلمه).
قلت: وكم فُتِنَ الناس اليوم بكلمة العلم، وكم تخبطوا في إطلاقِ كلمة العالم وعلى من تُطلق، وصارَ عندهم العالم هو كل من حمل الشهادات العالية والتخصصات