وأما القنوت ففيه معان متقاربة:
المعنى الأول: القنوت: الطاعة. فعن ابن مسعود قال: (القانت: المطيع). وعن ابن عباس قال: ({أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} يعني القنوت الطاعة وذلكَ أنه قال: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 25 - 26] قال: مطيعون).
المعنى الثاني: القنوت: الخشوع. فعن ابن شهاب قال: (القانتُ: الخاشع في صلاته).
المعنى الثالث: القنوت: القيام. قال يحيى بن سلّام: (القانتُ: القائم في صلاته).
المعنى الرابع: القنوت: الدعاء. والقانت هو الداعي لربه.
المعنى الخامس: القنوت: هو قراءة القرآن مع طول القيام. فعن نافع عن ابن عمر: (أنه كان إذا سئل عن القنوت قال: لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القيام وقرأ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}).
وعن مجاهد قال: (من القنوتِ طول الركوع وغض البصر). قال القرطبي: (وكان العلماءُ إذا وقفوا في الصلاةِ غضّوا أبصارهم، وخضعوا ولم يلتفتوا في صلاتهم، ولم يعبثوا ولم يذكروا شيئًا من أمر الدنيا إلا ناسين).
قلت: وكلها معان متقاربة يتَّسِعُ لها الإعجاز والبيان الإلهي والهدي النبوي، فالقنوتُ يشمل الخشوعَ والدعاء والتلاوةَ في الليلِ وطول القيامِ وكلها داخلة في مفهومِ الإخبات والطاعة.
فقد قال سبحانه: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. وفي صحيح مسلم عن عاصم عن أنس قال: (سألتهُ عن القنوتِ قبلَ الركوع أو بعد الركوع فقال: قبل الركوع. قال: قلت: فإن ناسًا يزعمون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قنت بعد الركوع! فقال: إنما قنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شهرًا يدعو على أناس قتلوا أناسًا من أصحابه يُقال لهم القُرّاء).
وصنف الإمام مسلم بعد ذلكَ بابًا سمّاهُ: "باب أفضل الصلاة طولُ القنوت" وساق بذلكَ حديث جابر قال: [سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي الصلاةِ أفضل؟ قال: طول القنوت].
وفي مسند الإمام أحمد بسند جيد عن جابر قال: [أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول اللَّه أي الصلاةِ أفضل؟ قال: طول القنوت. قال يا رسول اللَّه! وأي الجهاد